أمر الدين، قاله: ابن عباس ومجاهد، أو المبين الهدى والرشد والبركة قاله قتادة، أو المبين ما سألت عنه اليهود، أو ما أمرت أن يسأل من حال انتقال يعقوب من الشام إلى مصر وعن قصة يوسف، أو المبين من جهة بيان اللسان العربي وجودته، إذ فيه ستة أحرف لم تجمع في لسان، روي هذا عن معاذ بن جبل. قال المفسرون: وهي الطاء، والظاء، والضاد، والصاد، والعين، والخاء انتهى. والضمير في إنا أنزلناه، عائد على الكتاب الذي فيه قصة يوسف، وقيل: على القرآن، وقيل: على نبأ يوسف، قاله الزجاج وابن الأنباري. وقيل: هو ضمير الإنزال. وقرآنا هو المطعوف به، وهذان ضعيفان. وانتصب قرآنا، قيل: على البدل من الضمير، وقيل على الحال الموطئة. وسمي القرآن قرآنا لأنه اسم جنس يقع على القليل والكثير، وعربيا منسوب إلى العرب. والعرب جمع عربي، كروم ورومي، وعربة ناحية دار إسماعيل بن إبراهيم عليهما الصلاة والسلام. قال الشاعر:
* وعربة أرض ما يحل حرامها * من الناس إلا اللوذعي الحلاحل * ويعني النبي صلى الله عليه وسلم) أحلت له مكة. وسكن راء عربة الشاعر ضرورة. قيل: وإن شئت نسبت القرآن إليها ابتداء أي: على لغة أهل هذه الناحية. لعلكم تعقلون ما تضمن من المعاني، واحتوى عليه من البلاغة والإعجاز فتؤمنون، إذ لو كان بغير العربية لقيل: * (لولا فصلت ءاياته) *.
* (نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هاذا القرءان وإن كنت من قبله لمن الغافلين * إذ قال يوسف لابيه ياأبت * لابيه ياأبت إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لى ساجدين * قال يابنى لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين * وكذالك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلىءال يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل) *: القصص: مصدر قص، واسم مفعول إما لتسميته بالمصدر، وأما لكون الفعل يكون للمفعول، كالقبض والنقص. والقصص هنا يحتمل الأوجه الثلاثة. فإن كان المصدر فالمراد بكونه أحسن أنه اقتص على أبدع طريقة، وأحسن أسلوب. ألا ترى أن هذا الحديث مقتص في كتب الأولين، وفي كتب التواريخ، ولا ترى اقتصاصه في كتاب منها مقاربا لاقتصاصه في القرآن، وإن كان المفعول فكان أحسنه لما يتضمن من العبر والحكم والنكت والعجائب التي ليستفي غيره. والظاهر أنه أحسن ما يقص في بابه كما يقال للرجل: هو أعلم الناس وأفضلهم، يراد في فنه.
وقيل: كانت هذه السورة أحسن القصص لانفرادها عن سائرها بما فيها من ذكر الأنبياء، والصالحين، والملائكة، والشياطين، والجن، والإنس، والأنعام، والطير، وسير الملوك، والممالك، والتجار، والعلماء، والرجال، والنساء وكيدهن ومكرهن، مع ما فيها من ذكر التوحيد، والفقه، والسير، والسياسة، وحسن الملكة، والعفو عند المقدرة، وحسن المعاشرة، والحيل، وتدبير المعاش، والمعاد، وحسن العاقبة، في العفة، والجهاد، والخلاص من المرهوب إلى المرغوب، وذكر الحبيب والمحبوب، ومرأى السنين وتعبير الرؤيا، والعجائب التي تصلح للدين والدنيا. وقيل: كانت أحسن القصص لأن كل من ذكر فيها كان مآله إلى السعادة. انظر إلى يوسف وأبيه وأخوته وامرأة العزيز والملك أسلم بيوسف وحسن إسلامه. ومعبر الرؤيا الساقي، والشاهد فما يقال. وقيل: أحسن هنا ليست أفعل التفضيل، بل هي بمعنى حسن، كأنه قيل: حسن القصص، من باب إضافة الصفة إلى الموصوف أي: القصص الحسن. وما في بما أوحينا مصدرية أي: بإيحائنا. وإذا كان القصص مصدرا فمفعول نقص من حيث المعنى هو هذا القرآن، إلا أنه من باب الإعمال، إذ تنازعه نقص. وأوحينا فاعمل الثاني على الأكثر، والضمير في من قبله يعود على الإيحاء. وتقدمت مذاهب النحاة في أن المخففة ومجئ اللام في ثاني الجزءين. ومعنى من الغافلين: لم يكن لك شعور