تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٩
ومجالستهم، وزيارتهم، ومداهتنهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيي بزيهم، ومدالعين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم. وتأمل قوله: ولا تركنوا، فإن الركون هو الميل اليسير. وقوله: إلى الذين ظلموا، أي الذين وجد منهم الظلم، ولم يقل الظالمين، قاله: الزمخشري. وقال ابن عطية: ومعناه السكون إلى الشيء والرضا به. قال أبو العالية: الركون الرضا. وقال ابن زيد: الركون الإدهان، والركون يقع في قليل هذا وكثيره. والنهي هنا يترتب من معنى الركون عن الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب، من ترك التعبير عليهم مع القدرة، والذين ظلموا هنا هم الكفرة، وهو النص للمتأولين، ويدخل بالمعنى أهل المعاصي انتهى. وقال سفيان الثوري: في جهنم واد لا يسكنه إلا القراء الزائرون الملوك. وسئل سفيان عن ظالم أشرف على الهلاك في برية هل يسقى شربة ماء؟ فقال: لا. فقيل له: يموت، فقال: دعه يموت. وفي الحديث: (من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه) وكتب إلى الزهري حين خالط السلاطين أخ له في الدين كتابا طويلا قرعه فيه أشد التقريع، يوقف عليه في تفسير الزمخشري. وقرأ ابن وثاب، وعلقمة، والأعمش، وابن مصرف، وحمزة فيما روي عنه: فتمسكم بكسر التاء على لغة تميم، والمس كناية عن الإصابة. وانتصب الفعل في جواب النهي، والجملة بعدها حال. ومعنى من أولياء، من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه. ثم لا تنصرون قال الزمخشري: ثم لا ينصركم هو لأنه وجب في حكمته تعذيبكم، وترك الإبقاء عليكم. (فإن قلت): ما معنى؟ ثم قلت: معناها الاستبعاد، لأن النصرة من الله مستبعدة مع استيجابهم العذاب وقضاء حكمته له انتهى، وهي ألفاظ المعتزلة. وقرأ زيد بن علي: ثم لا تنصروا بحذف النون، والفعل منصوب عطفا على قوله: فتمسكم، والجملة حال، أو اعتراض بين المتعاطفين.
* (وأقم الصلواة طرفى النهار وزلفا من اليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذالك ذكرى للذكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين) *: سبب نزولها ما في صحيح مسلم من حديث الرجل الذي عالج امرأة أجنبية منه، فأصاب منها ما سوى إتيانها فنزلت. وقيل: نزلت قبل ذلك، واستعملها الرسول صلى الله عليه وسلم) في قصة هذا الرجل فقال رجل: أله خاصة؟ قال: (لا، بل للناس عامة) وانظر إلى الأمر والنهي في هذه الآيات، حيث جاء الخطاب في الأمر، * (واستقم كما أمرت ) *، وأقم الصلاة، موحدا في الظاهر، وإن كان المأمور به من حيث المعنى عاما، وجاء الخطاب في النهي: * (ولا تركنوا) * موجها إلى غير الرسول صلى الله عليه وسلم)، مخاطبا به أمته، فحيث كان بأفعال الخير توجه الخطاب إليه، وحيث كان النهي عن المحظورات عدل عن الخطاب عنه إلى غيره من أمته، وهذا من جليل الفصاحة. ولا خلاف أن المأمور بإقامتها هي الصلوات المكتوبة، وإقامتها دوامها، وقيل: أداؤها على تمامها، وقيل: فعلها في أفضل أوقاتها، وهي ثلاثة الأقوال التي في قوله تعالى: وأقيموا الصلاة.
وانتصب طرفي النهار على الظرف. وطرف الشيء يقتضي أن يكون من الشيء، فالذي يظهر أنهما الصبح والعصر، لأنهما طرفا النهار، ولذلك وقع الإجماع، إلا من شذ على أن من أكل أو جامع بعد طلوع الفجر متعمدا أن يومه يوم فطر وعليه القضاء والكفارة، وما بعد طلوع الفجر من النهار. وقد ادعى الطبري والماوردي: الإجماع على أن أحد الطرفين الصبح، والخلاف في ذلك على ما نذكره. وممن قال: هما الصبح والعصر الحسن، وقتادة، والضحاك، وقال: الزلف المغرب والعشاء، وليست الظاهر في هذه الآية على هذا القول، بل هي في غيرها. وقال مجاهد ومحمد بن كعب: الطرف الأول الصبح، والثاني الظهر والعصر، والزلف المغرب والعشاء،
(٢٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 ... » »»