تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٧٢
وأبو عمر في رواية الجعفي: واتبعوا ساكنة التاء مبنية للمفعول على حذف مضاف، لأنه مما يتعدى إلى مفعولين، أي جزاء ما أترفوا فيه. وقال الزمخشري: ويجوز أن يكون المعنى في القراءة المشهورة أنهم اتبعوا جزاء إترافهم، وهذا معنى قوي لتقدم الإنجاء كأنه قيل: إلا قليلا ممن أنجينا منهم وهلك السائر.
2 (* (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون * ولو شآء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذالك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين * وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجآءك فى هاذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين * وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون * وانتظروا إنا منتظرون * ولله غيب السماوات والا رض وإليه يرجع الا مر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون) *)) 2 * (وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون) *: تقدم تفسير شبيه هذه الآية في الأنعام، إلا أن هنا ليهلك وهي آكد في النفي، لأنه على مذهب الكوفيين زيدت اللام في خبر كان على سبيل التوكيد، وعلى مذهب البصريين نوجه النفي إلى الخبر المحذوف المتعلق به اللام، وهنا وأهلها مصلحون. قال الطبري: بشرك منهم وهم مصلحون أي: مصلحون في أعمالهم وسيرهم، وعدل بعضهم في بعض أي: أنه لا بد من معصيتة تقترن بكفرهم، قاله الطبري ناقلا. قال ابن عطية: وهذا ضعيف، وإنما ذهب قائله إلى نحو ما قال: إن الله يمهل الدول على الكفر ولا يمهلها على الظلم والجور، ولو عكس لكان ذلك متجها أي: ما كان الله ليعذب أمة بظلمهم في معاصيهم وهم مصلحون في الإيمان. والذي رجح ابن عطية أن يكون التأويل بظلم منه تعالى عن ذلك. وقال الزمخشري: وأهلها مصلحون تنزيها لذاته عن الظلم، وإيذانا بأن إهلاك المصلحين من الظلم انتهى. وهو مصادم للحديث: (أنهلك وفينا الصالحون) قال: نعم، (إذا كثر الخبث) وللآية: * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) *.
* (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذالك خلقهم وتمت كلمة ربك لاملان جهنم من الجنة والناس أجمعين) *: قال الزمخشري: يعني لاضطرارهم إلى أن يكونوا أهل ملة واحدة وهي مبلة الإسلام كقوله: * (وأن هاذا * أمتكم أمة واحدة) * وهذا كلام يتضمن نفي الاضطرار، وأنه لم يقهرهم على الاتفاق على دين الحق، ولكنه مكنهم من الاختبار الذي هو أساس التكليف، فاختار بعضهم الحق، وبعضهم الباطل، فاختلفوا ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك الا ناسا هداهم الله ولطف بهم فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. وقال ابن عباس وقتادة: أمة واحدة مؤمنة حتى لا يقع منهم كفر، لكنه تعالى لم يشأ ذلك. وقال الضحاك: لو شاء لجعلهم على هدى أو ضلالة، والظاهر أن قوله: ولا يزالون مختلفين، هو من الاختلاف الذي هو ضد الاتفاق، وأن المعنى في الحق والباطل قاله: ابن عباس، وقال مجاهد: في الأديان، وقال الحسن: في الأرزاق والأحوال من تسخير بعضهم لبعض، وقال عكرمة: في الأهواء، وقال ابن بحر: المراد أن بعضهم يخلف بعضا، فيكون الآتي خلفا للماضي. قال: ومنه قولهم: ما اختلف الجديدان، أي خلف أحدهما صاحبه. وإلا من رحم استثناء متصل من قوله: ولا يزالون مختلفين، ولا ضرورة تدعو إلى أنه بمعنى لكن، فيكون استثناء منقطعا كما ذهب إليه الحوفي، والإشارة بقوله: ولذلك خلقهم، إلى المصدر المفهوم من قوله: مختلفين، كما قال: إذا نهى السفيه جرى إليه. فعاد الضمير إلى المصدر المفهوم من اسم الفاعل، كأنه قيل: وللاختلاف خلقهم، ويكون على حذف مضاف أي
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»