لثمرة الاختلاف من الشقاوة والسعادة خلقهم. ودل على هذا المحذوف أنه قد تقرر من قاعدة الشريعة أن الله تعالى خلق خلقا للسعادة، وخلقا للشقاوة، ثم يسر كلا لما خلق له، وهذا نص في الحديث الصحيح.
وهذه اللام في التحقيق هي لام الصيرورة في ذلك المحذوف، أو تكون لام الصيرورة بغير ذلك المحذوف، أي: خلقهم ليصير أمرهم إلى الاختلاف. ولا يتعارض هذا مع قوله: * (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) * لأن معنى هذا الأمر بالعبادة. وقال مجاهد وقتادة: ذلك إشارة إلى الرحمة التي تضمنها قوله: إلا من رحم ربك، والضمير في خلقهم عائد على المرحومين. وقال ابن عباس، واختاره الطبري: الإشارة بذلك إلى الاختلاف والرحمة معا، فيكون على هذا أشير بالمفرد إلى اثنين كقوله: * (عوان بين ذالك) * أي بين الفارض والبكر، والضمير في خلقهم عائد على الصنفين: المستثني، والمستثنى منه، وليس في هذه الجملة ما يمكن أن يعود عليه الضمير إلا الاختلاف كما قال الحسن وعطاء، أو الرحمة كما قال مجاهد، وقتادة، أو كلاهما كما قال ابن عباس. وقد أبعد المتأولون في تقدير غير هذه الثلاث، فروي أنه إشارة إلى ما عده. وفيه تقديم وتأخير أي: ونمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين، ولذلك خلقهم أي لملء جهنم منهم، وهذا بعيد جدا من تراكيب كلام العرب. وقيل: إشارة إلى شهود ذلك اليوم المشهود، وقيل: إلى قوله: * (فمنهم شقى وسعيد) * وقيل: إشارة إلى أن يكون فريق في الجنة وفريق في السعير، وقيل: إشارة إلى قوله: * (ينهون عن الفساد فى الارض) * وقيل: إشارة إلى العبادة، وقيل: إلى الجنة والنار، وقيل: للسعادة والشقاوة. وقال الزمخشري: ولذلك إشارة إلى ما دل عليه الكلام، أولا من التمكين والاختيار الذي عنه الاختلاف، خلقهم ليثيب مختار الحق بحسن اختياره، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره انتهى. وهو على طريقة الاعتزال. ولولا أن هذه الأقوال سطرت في كتب التفسير لضربت عن ذكرها صفحا.
وتمت كلمة ربك أي: نفذ قضاؤه وحق أمره. واللام في لأملأن، هي التي يتلقى بها القسم، أو الجملة قبلها ضمنت معنى القسم كقوله * (وإذ أخذ الله ميثاق النبيين) * ثم قال: * (لتؤمنن به) * والجنة والجن بمعنى واحد. قال ابن عطية: والهاء فيه للمبالغة، وإن كان الجن يقع على الواحد، فالجنة جمعه انتهى. فيكون مما يكون فيه الواحد بغير هاء، وجمعه بالهاء لقول بعض العرب: كمء للواحد، وكمأة للجمع.
* (وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هاذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين) *: الظهر أن كلا مفعول به، والعامل فيه نقص، والتنوين عوض من المحذوف، والتقدير: وكل نبأ نقص عليك. ومن أنباء الرسل في موضع الصفة لقوله: وكلا إذ هي مضافة في التقدير إلى نكرة، وما صلة كما هي في قوله: * (قليلا ما تذكرون) * قيل: أو بدل، أو خبر مبتدأ محذوف أي: هو ما نثبت، فتكون ما بمعنى الذي، أو مصدرية. وأجازوا أن ينتصب كلا على المصدر، وما نثبت مفعول به بقولك نقص، كأنه قيل: ونقص علك الشيء الذي نثبت به فؤادك كل قص. وأجازوا أن يكون كلا نكرة بمعنى جميعا، وينتصب على الحال من المفعول الذي هو ما، أو من المجرور الذي هو الضمير في به على مذهب من يجوز تقديم حال المجرور