تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٢
* كفاك كف ما يليق درهما * جود وأخرى تعط بالسيف الدما * والظاهر أن الفاعل بيأتي ضمير يعود على ما عاد عليه الضمير في نؤخره وهو قوله: ذلك يوم، والناصب له لا تكلم، والمعنى: لا تكلم نفس يوم يأتي ذلك اليوم إلا بإذن الله، وذلك من عظم المهابة والهول في ذلك اليوم. وهو نظير: * (لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمان) * هو ناصب كقوله: * (يوم يقوم الروح والملائكة صفا) * والمراد بإتيان اليوم إتيان أهواله وشدائده، إذ اليوم لا يكون وقتا لإتيان اليوم.
وأجاز الزمخشري أن يكون فاعل يأتي ضميرا عائدا على الله قال: كقوله: * (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله) * * (أو يأتى ربك) * وجاء ربك، ويعضده قراءة وما يؤخره بالياء، وقوله: * (بإذنه) * وأجاز أيضا أن ينتصب يوم يأتي باذكر أو بالانتهاء المحذوف في قوله: إلا لأجل معدود، أي ينتهي الأجل يوم يأتي. وأجاز الحوفي أن يكون لا تكلم حالا من ضمير اليوم المتقدم في مشهود، أو نعتا لأنه نكره، والتقدير: لا تكلم نفس فيه يوم يأتي إلا بإذنه. وقال ابن عطية: لا تكلم نفس، يصح أن يكون جملة في موضع الحال من الضمير الذي في يأتي، وهو العائد على قوله ذلك يوم، ويكون على هذا عائد محذوف تقديره: لا تكلم نفس فيه إلا بإذنه. ويصح أن يكون قوله: لا تكلم نفس، صفة لقوله: يوم يأتي، أو يوم يأتي يراد به الحين والوقت لا النهار بعينه. وما ورد في القرآن من ذكر كلام أهل الموقف في التلازم والتساؤل والتجادل، فإما أن يكون بإذن الله، وإما أن يكون هذه مختصة هنا في تكلم شفاعة أو إقامة حجة انتهى. وكلامه في إعراب لا تكلم كأنه منقول من كلام الحوفي. وقيل: يوم القيامة يوم طويل له مواقف، ففي بعضها يجادلون عن أنفسهم، وفي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون، وفي بعضها يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم، والضمير في منهم عائد على الناس في قوله: مجموع له الناس. وقال الزمخشري: الضمير لأهل الموقف، ولم يذكروا إلا أن ذلك معلوم، ولأن قوله: لا تكلم نفس، يدل عليه، وقد مر ذكر الناس في قوله: مجموع له الناس. وقال ابن عطية فمنهم عائد على الجميع الذي تضمنه قوله: نفس، إذ هو اسم جنس يراد به الجميع انتهى. قال ابن عباس: الشقي من كتبت عليه الشقاوة، والسعيد الذي كتبت له السعادة. وقيل: معذب ومنعم، وقيل: محروم ومرزوق، وقيل: الضمي في منهم عائد على أمة محمد صلى الله عليه وسلم)، ذكره ابن الأنباري.
* (فأما الذين شقوا ففى النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت * السماوات والارض * إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففى الجنة خالدين فيها ما دامت * السماوات والارض * إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) * قال الضحاك ومقاتل والفراء: الزفير أول نهيق الحمار، والشهيق آخره، وروي عن ابن عباس، وقال أبو العالية والربيع بن أنس: الزفير في الحلق، والشهيق في الصدر، وروي عن ابن عباس أيضا. وقال ابن السائب: الزفير زفير الحمار، والشهيق شهيق البغال. وانتصاب خالدين على أنها حال مقدرة، وما مصدرية ظرفية أي: مدة دوام السماوات والأرض، والمراد بهذا التوقيت التأييد كقول العرب: ما أقام ثبير وما لاح كوكب، وضعت العرب ذلك للتأييد من غير نظر لفناء ثبير أو الكوكب، أو عدم فنائهما. وقيل: سماوات الآخرة وأرضها وهي دائمة لا بد، يدل على ذلك * (يوم تبدل الارض غير الارض) * وقوله: * (وعده وأورثنا الارض نتبوأ من الجنة حيث نشاء) * ولأنه لا بد لأهل الآخرة مما يقلهم ويظلمهم، إما سماء يخلقها الله، أو يظلهم العرش وكلما أظلك فهو سماء. وعن ابن عباس: إن السماوات والأرض في الآخرة يردان إلى النور الذي أخذتا منه
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»