تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٥
عن الفساد فى الا رض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا مآ أترفوا فيه وكانوا مجرمين) *)) ) * الزلفة قال الليث: طائفة من أول الليل، والجمع الزلف، وقال ثعلب: الزلف أول ساعات الليل، واحدها زلفة. وقال أبو عبيدة، والأخفش، وابن قتيبة، الزلف ساعات الليل وآناؤه، وكل ساعة زلفة. وقال العجاج:
* ناح طواه الأين مما وجفا * طي الليالي زلفا فزلفا * سماؤه الهلال حتى احقوقنا وأصل الكلمة من الزلفى وهي القربة، ويقال: أزلفه فازدلف أي قربه فاقترب، وأزلفني أدناني. الترف: النعمة، صبي مترف منعم البدن، ومترف أبطرته النعمة وسعة العيش. وقال الفراء: أترف عود الترفة وهي النعمة.
* (فلا تك فى مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد ءاباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير) *: لما ذكر تعالى قصص عبدة الأوثان من الأمم السالفة، واتبع ذلك بذكر أحوال الأشقياء والسعداء، شرح للرسول صلى الله عليه وسلم) أحوال الكفار من قومه، وإنهم متبعو آبائهم كحال من تقدم من الأمم في اتباع آبائهم في الضلال. وهؤلاء إشارة إلى مشركي العرب باتفاق، وأن ديدنهم كديدن الأمم الماضية في التقليد والعمى عن النظر في الدلائل والحجج. وهذه تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم)، وعدة بالانتقام منهم، إذ حالهم في ذلك حال الأمم السالفة، والأمم السالفة قد قصصنا عليك ما جرى لهم من سوء العاقبة. والتشبيه في قوله: كما يعبد، معناه أن حالهم في الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت، وقد بلغك ما نزل بأسلافهم، فسينزل بهم مثله. وما يعبد استئناف جرى مجرى التعليل للنهي عن المرية، وما في مما وفي كما يحتمل أن تكون مصدرية وبمعنى الذي. وقرأ الجمهور: لموفوهم مشددا من وفى، وابن محيصن مخففا من أوفى، والنصيب هنا قال ابن عباس: ما قدر لهم من خير ومن شر. وقال أبو العالية: من الرزق. وقال ابن زيد: من العذاب، وكذا قال الزمخشري قال: كما وفينا آباءهم أنصباءهم، وغير منقوص حال من نصيبهم، وهو عندي حال مؤكدة، لأن التوفية تقتضي التكميل.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): كيف نصب غير منقوص حالا من النصيب الموفى؟ (قلت): يجوز أن يوفى وهو ناقص، ويوفى وهو كامل. ألا تراك تقول: وفيته شطر حقه، وثلث حقه، وحقه كاملا وناقصا؟ انتهى وهذه مغلطة إذا قال: وفيته شطر حقه، فالتوفية وقعت في الشطر، وكذا ثلث حقه، والمعنى أعطيته الشطر أو الثث كاملا لم أنقصه منه شيئا. وأما قوله: وحقه كاملا وناقصا، أما كاملا فصحيح، وهي حال مؤكدة لأن التوفية تقتضي الإكمال، وأما وناقصا فلا يقال لمنافاته التوفية. والخطاب في فلا تك متوجه إلى من داخله الشك، لا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم)، والمعنى: والله أعلم قل يا محمد لكل من شك لا تك في مرية مما يعبد هؤلاء، فإن الله لم يأمرهم بذلك، وإنما اتبعوا في ذلك آباءهم تقليدا لهم وإعراضا عن حجج العقول.
* (ولقد ءاتينا موسى الكتاب
(٢٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 ... » »»