تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٦٤
إن ذلك على طريق الاستثناء الذي ندب الشرع إلى استعماله في كل كلام، فهو على نحو قوله: * (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله ءامنين) * استثناء في واجب، وهذا الاستثناء هو في حكم الشرط كأنه قال: إن شاء الله، فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع. وقيل: هو استثناء من طول المدة، وذلك على ما روي أن جهنم تخرب ويعدم أهلها، وتخفق أبوابها، فهم على هذا يخدلون حتى يصير أمرهم إلى هذا، وهذا قول محيل. والذي روى ونقل عن ابن مسعود وغيره: أنها تخلو من النار إنما هو الدرك الأعلى المختص بعصاة المؤمنين، وهو الذي يسمى جهنم، وسمى الكل به تجوزا. وقيل: إلا بمعنى الواو، وفمعنى الآية: وما شاء الله زائدا على ذلك. وقيل: في هذه الآية بمعنى سوى، والاستثناء منقطع كما تقول: لي عندك ألفا درهم إلا الألف التي كنت أسلفتك، بمعنى سوى تلك الألف. فكأنه قال: خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض، سوى ما شاء الله زائدا على ذلك، ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى بعد هذا: عطاء غير مجذوذ، وهذا قول الفراء. وقيل: سوى ما أعد لهم من أنواع العذاب مما لا يعرف كالزمهرير. وقيل: استثناء من مدة السماوات والأرض التي فرطت لهم في الحياة الدنيا. وقيل: في البرزخ بين الدنيا والآخرة. وقيل: في المسافات التي بينهم في دخول النار إذ دخولهم إنما هو زمرا بعد زمر. وقيل: الاستثناء من قوله ففي النار، كأنه قال: إلا ما شاء ربك من تأخير قوم عن ذلك، وهذا قول رواه أبو نصرة عن جابر، أو عن أبي سعيد الخدري، ثم أخبر منبها على قدرة الله تعالى فقال: إن ربك فعال لما يريد انتهى. وقال أبو مجلز: إلا ما شاء ربك أن يتجاوز عنه بعذاب يكون جزاؤه الخلود في النار، فلا يدخله النار. وقيل: معنى إلا ما شاء ربك كما شاء ربك قيل: كقوله: * (ولا تنكحوا ما نكح ءاباؤكم من النساء إلا ما قد سلف) * أي كما قد سلف. وقرأ الحسن: شقوا بضم الشين، والجمهور بفتحها. وقرأ ابن مسعود، وطلحة بن مصرف، وابن وثاب، والأعمش، وحمزة، والكسائي، وحفص سعدوا بضم السين، وباقي السبعة والجمهور بفتحها. وكان علي بن سليمان يتعجب من قراءة الكسائي سعدوا مع علمه بالعربية، ولا يتعجب من ذلك إذ هي قراءة منقولة عن ابن مسعود ومن ذكرنا معه. وقد احتج الكسائي بقولهم: مسعود، قيل: ولا حجة فيه لأنه يقال: مكان مسعود فيه، ثم حذف فيه وسمى به، وقال المهدوي: من قرأ سعدوا فهو محمول على مسعود، وهو شاذ قليل لأنه لا يقال سعده الله، إنما يقال: أسعده الله. وقال الثعلبي: سعد وأسعد بمعنى واحد، وانتصب عطاء على المصدر أي: أعطوا عطاء بمعنى إعطاء كقوله: * (والله أنبتكم من الارض نباتا) * أي إنباتا. ومعنى غير مجذوذ: غير مقطوع، بل هو ممتد إلى غير نهاية.
2 (* (فلا تك فى مرية مما يعبد هاؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد ءاباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص * ولقد ءاتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم وإنهم لفى شك منه مريب * وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير * فاستقم كمآ أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير * ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أوليآء ثم لا تنصرون * وأقم الصلواة طرفى النهار وزلفا من اليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذالك ذكرى للذاكرين * واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»