تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٤٥
يزدهي سائر النساء في غير بيت النبوة، وأن تسبح الله وتمجده مكان التعجب. وإلى ذلك أشارت الملائكة في قولهم: رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت، أرادوا أن هذه وأمثالها مما يكرمكم رب العزة ويخصكم بالإنعام به يا أهل بيت النبوة؟ فليست بمكان عجيب، وأمر الله قدرته وحكمته. وقوله: رحمة الله وبركاته عليكم كلام مستأنف علل به إنكار التعجب، كأنه قيل: إياك والتعجب، فإن أمثال هذه الرحمة والبركة متكاثرة من الله عليكم. وقيل: الرحمة النبوة، والبركات الأسباط من بني إسرائيل، لأن الأنبياء منهم، وكلهم من ولد إبراهيم انتهى. وقيل: رحمته تحيته، وبركاته فواضل خيره بالخلة والإمامة. وروي أن سارة قالت لجبريل عليه السلام: ما آية ذلك؟ فأخذ عودا بابسا فلواه بين أصابعه، فاهتز أخضر، فسكن روعها وزال عجبها. وهذه الجملة المستأنفة يحتمل أن تكون خبرا وهو الأظهر، لأنه يقتضي حصول الرحمة والبركة لهم، ويحتمل أن يكون دعاء وهو مرجوح، لأن الدعاء إنما يقتضي أنه أمر يترجى ولم يتحصل بعد. وأهل منصوب على النداء، أو على الاختصاص، وبين النصب على المدح والنصب على الاختصاص فرق، ولذلك جعلهما سيبويه في بابين وهو أن المنصوب على المدح لفظ يتضمن بوضعه المدح، كما أن المنصوب على الذم يتضمن بوضعه الذم، والمنصوب على الاختصاص لا يكون إلا لمدح أو ذم، لكن لفظه لا يتضمن بوضعه المدح ولا الذم كقوله: بنا تميما يكشف الضباب. وقوله: ولا الحجاج عيني بنت ماء. وخطاب الملائكة أياها بقولهم: أهل البيت، دليل على اندراج الزوجة في أهل البيت، وقد دل على ذلك أيضا في سورة الأحزاب خلافا للشيعة إذ لا يعدون الزوجة من أهل بيت زوجها، والبيت يراد به بيت السكنى. إنه حميد: وقال أبو الهيثم تحمد أفعاله وهو بمعنى المحمود. وقال الزمخشري: فاعل ما يستوجب من عباده، مجيد كريم كثير الإحسان إليهم.
* (فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا فى قوم لوط * إن إبراهيم لحليم أواه منيب * منيب * يإبراهيم أعرض عن هاذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم اتيهم عذاب غير مردود) * الروع الخيفة التي كان أو جسها في نفسها حين نكر أضيافه، والمعنى: اطمأن قلبه بعلمه أنهم ملائكة. والبشرى تبشيره بالولد، أو بأن المراد بمجيئهم غيره. وجواب لما محذوف كما حذف في قوله: * (فلما ذهبوا به) * وتقديره: اجترأ على الخطاب إذ فطن للمجادلة، أو قال: كيت وكيت. ودل على ذلك الجملة المستأنفة وهي يجادلنا، قال معناه الزمخشري. وقيل: الجواب يجادلنا وضع المضارع موضع الماضي، أي جادلنا. وجاز ذلك لوضوح المعنى، وهذا أقرب الأقوال. وقيل: يجادلنا حال من إبراهيم، وجاءته حال أيضا، أو من ضمير في جاءته. وجواب لما محذوف تقديره: قلنا يا إبراهيم أعرض عن هذا، واختار هذا التوجيه أبو علي. وقيل: الجواب محذوف تقديره: ظل أو أخذ يجادلنا، فحذف اختصارا لدلالة ظاهر الكلام عليه. والمجادلة قيل: هي سؤاله العذاب واقع بهم لا محالة، أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطاعة. وقيل: تكلما على سبيل الشفاعة، والمعنى: تجادل رسلنا. وعن حذيفة انهم لما قالوا له: إنا مهلكوا أهل هذه القرية قال: أرأيتم ان كان فيها خمسون من المسلمين، أتهكلونها؟ قالوا: لا، قال: فأربعون؟ قالوا: لا. قال: فثلاثون؟ قالوا: لا، قال: فعشرون؟ قالوا: لا. قال: فإن كان فيهم عشرة أو خمسة شك الراوي؟ قالوا: لا. قال: أرأيتم
(٢٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 ... » »»