تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٤٣
الصحيح: * (قالت الملئكة * ربى * رحمة فرحوا بها وإن تصبهم سيئة) * الحديث، أو بما يلوح في صفحات وجه الخائف. وامرأته قائمة جملة من ابتداء وخبر قال الحوفي وأبو البقاء: في موضع الحال، قال أبو البقاء: من ضمير الفاعل في أرسلنا، يعني المفعول الذي لم يسم فاعله، والزمخشري يسميه فاعلا لقيامه مقام الفاعل. وقال الحوفي: والتقدير أرسلنا إلى قوم لوط في حال قيام امرأته، يعني امرأة إبراهيم. والظاهر أنه حال من ضمير قالوا أي: قالوا لا إبراهيم لا تخف في حال قيام امرأته وهي سارة بنت هاران بن ناخور وهي ابنة عمه، قائمة أي: لخدمة الأضياف، وكانت نساؤهم لا تحتجب كعادة الأعراب، ونازلة البوادي والصحراء، ولم يكن التبرج مكروها، وكانت عجوزا، وخدمة الضيفان مما يعد من مكارم الأخلاق قاله: مجاهد. وجاء في شريعنا مثل هذا من حديث أبي أسيد الساعدي: وكانت امرأته عروسا، فكانت خادمة الرسول ومن حضر معه من أصحابه. وقال وهب: كانت قائمة وراء الستر تسمع محاورتهم. وقال ابن إسحاق: قائمة تصلي. وقال المبرد: قائمة عن الولد. قال الزمخشري: وفي مصحف عبد الله وامرأته قائمة وهو قاعد. وقال ابن عطية: وفي قراءة ابن مسعود: وهي قائمة وهو جالس. ولم يتقدم ذكر امرأة إبراهيم فيضمر، لكنه يفسره سياق الكلام.
قال مجاهد وعكرمة: فضحكت حاضت. قال الجمهور: هو الضحك المعروف. فقيل: هو مجاز معبر به عن طلاقة الوجه وسروره بنجاة أخيها وهلاك قومه، يقال: أتيت على روضة تضحك أي مشرقة. وقيل: هو حقيقة. فقال مقاتل: وروي عن ابن عباس ضحكت من شدة خوف إبراهيم وهو في أهله وغلمانه. والذين جاؤه ثلاثة، وهي تعهده يغلب الأربعين، وقيل: المائة. وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم. وقال السدي: ضحكت من إمساك الأضياف عن الأكل وقالت: عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا، وهم لا يأكلون طعامنا. وقال وهب بن منبه: وروي عن ابن عباس: ضحكت من البشارة بإسحاق، وقال: هذا مقدم بمعنى التأخير. وذكر ابن الأنباري أن ضحكها كان سرورا بصدق ظنها، لأنها كانت تقول لإبراهيم: اضمم إليك ابن أخيك لوطا وكان أخاها، فإنه سينزل العذاب بقومه. وقيل: ضحكت لما رأت من المعجز، وهو أن الملائكة مسحت العجل الحنيذ فقام حيا يطفر، والذي يظهر والله أعلم أنهم لما لم يأكلوا، وأوجس في نفسه خيفة بعدما نكر حالهم، لحق المرأة من ذلك أعظم ما لحق الرجل. فلما قالوا: لا تخف، وذكروا سبب مجيئهم زال عنه الخوف وسر، فلحقها هي من السرور إن ضحكت، إذ النساء في باب الفرح والسرور أطرب من الرجال وغالب عليهن ذلك. وقد أشار الزمخشري إلى طرف من هذا فقال: ضحكت سرورا بزوال الخيفة. وذكر محمد بن قيس سببا لضحكها تركنا ذكره لفظاعته، يوقف عليه في تفسير ابن عطية: وقرأ محمد بن زياد الأعرابي رجل من قراء مكة: فضحكت بفتح الحاء. قال المهدوي: وفتح الحاء غير معروف، فبشرناها هذا موافق لقوله تعالى: ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى، والمعنى: فبشرناها على لسان رسلنا بشرتها الملائكة بإسحاق، وبأن إسحاق سيلد يعقوب. قال ابن عطية: أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم الله تعالى، إذ كان ذلك بأمره ووحيه. وقال غيره: لما ولد لإبراهيم إسماعيل عليهما السلام من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنها، فبشرت بولد يكون نبيا وبلد نبيا، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها. وإنما بشروها دونه، لأن المرأة أعجل فرحا بالولد، ولأن إبراهيم قد بشروه وأمنوه من خوفه، فأتبعوا بشارته ببشارتها. وقيل: خصت بالبشارة حيث لم يكن لها ولد، وكان لإبراهيم عليه السلام ولده إسماعيل.
والظاهر أن وراء هنا ظرف استعمل اسما غير ظرف بدخول من عليه كأنه قيل: ومن بعد إسحاق، أو من خلف إسحاق، وبمعنى بعد، روي عن ابن عباس واختاره مقاتل وابن قتيبة، وعن ابن عباس أيضا: أن الوراء ولد الولد، وبه قال الشعبي: واختاره أبو عبيدة. وتسميته وراء هي قريبة من معنى وراء الظرف، إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده. فإن قيل: كيف يكون يعقوب وراء لإسحاق وهو ولده لصلبه، وإنما الوراء ولد الولد؟ فقد أجاب عنه ابن الأنباري فقال:
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 ... » »»