من الذين تشركون، وجميعا حال من ضمير كيدوني الفاعل، والخطاب إنما هو لقومه. وقال الزمخشري: أنتم وآلهتكم انتهى. قيل: ومجاهرة هود عليه السلام لهم بالبراءة من أديانهم، وحضه إياهم على كيده هم وأصنامهم معجزة لهود، أو حرض جماعتهم عليه مع انفراده وقوتهم وكثرتهم، فلم يقدروا على نيله بسوء، ثم ذكر توكله عل الله معلما أنه ربه وربهم، ومنبها على أنه من حيث هو ربكم يجب عليكم أن لا تعبدوا إلا إياه، ومفوضا أمره إليه تعالى ثقة بحفظه وانجاز موعوده، ثم وصف قدرة الله تعالى وعظيم ملكه من كون كل دابة في قبضته وملكه وتحت قهره وسلطانه، فأنتم من جملة أولئك المقهورين. وقوله: آخذ بناصيتها تمثيل، إذ كان القادر المالك يقود المقدور عليه بناصيته، كما يقاد الأسير والفرس بناصيته، حتى صار الأخذ بالناصية عرفا في القدرة على الحيوان، وكانت العرب تجز ناصية الأسير الممنون عليه علامة أنه قد قدر عليه وقبض على ناصيته. قال ابن جريج: وخص الناصية لأن العرب إذا وصفت إنسانا بالذلة والخضوع قالت: ما ناصية فلان إلا بيد فلان، أي أنه مطيع له يصرفه كيف يشاء ثم أخبر أن أفعاله تعالى في غاية الإحكام، وعلى طريق الحق والعدل في ملكه، لا يفوته ظالم ولا يضيع عنده من توكل عليه، قوله الصدق، ووعده الحق.
وقرأ الجمهور: فإن تولوا أي تتولوا مضارع تولى. وقرأ الأعرج وعيسى الثقفي: تولوا بضم التاء، واللام مضارع ولي، وقيل: تولوا ماض ويحتاج في الجواب إلى إضمار قول، أي: فقل لهم فقد أبلغتكم، ولا حاجة تدعو إلى جعله ماضيا وإضمار القول. وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون تولوا فعلا ماضيا، ويكون في الكلام رجوع من غيبة إلى خطاب أي: فقد أبلغتكم انتهى. فلا يحتاج إلى إضمار، والظاهر أن الضمير في تولوا عائد على قوم هود، وخطاب لهم من تمام الجمل المقولة قبل. وقال التبريزي: هو عائد على كفار قريش، وهو من تلوين الخطاب، انتقل من خطاب قوم هود إلى الإخبار عمن بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم)، وكأنه قيل: أخبرهم عن قصة قوم هود، وادعهم إلى الإيمان بالله لئلا يصيبهم كما أصاب قوم هود، فإن تولوا فقل لهم: قد أبلغتكم. وجواب الشرط هو قوله: فق أبلغتكم، وصح أن يكون جوابا، لأن في إبلاغه إليهم رسالته تضمن ما يحل بهم من العذاب المستأصل، فكأنه قيل: فإن تتولوا استؤصلتم بالعذاب. ويدل على ذلك الجملة الخبرية وهي قوله: ويستخلف ربي قوما غيركم.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): الإبلاغ كان قبل التولي، فكيف وقع جزاء للشرط؟ (قلت): معناه فإن تولوا لم أعاقب على تفريط في الإبلاغ، فإن ما أرسلت به إليكم قد بلغكم فأبتم إلا تكذيب الرسالة وعداوة الرسول. وقال ابن عطية: المعنى أنه ما علي كبيرهم منكم إن توليتم فقد برئت ساحتي بالتبليغ، وأنتم أصحاب الذنب في الإعراض عن الإيمان. وقرأ الجمهور: ويستخلف بضم الفاء على معنى الخبر المستأنف أي: يهلككم ويجيء بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم. وقرأ حفص في رواية هبيرة: بجزمها عطفا على موضع الجزاء، وقرأ عبد الله كذلك، وبجزم ولا تضروه، وقرأ الجمهور: ولا تضرونه أي شيئا من الضرر بتوليتكم، لأنه تعالى لا تجوز عليه المضار والمنافع. قال ابن عطية: يحتمل من المعنى وجهين: أحدهما: ولا تضرونه بذهابكم وهلاككم شيئا أي: لا ينقص ملكه، ولا يختل أمره، وعلى هذا المعنى قرأ عبد الله بن مسعود ولا تنقصونه شيئا. والمعنى الآخر: ولا تضرونه أي: ولا تقدرون إذا أهلككم على إضراره بشيء، ولا على انتصار منه، ولا تقابلون فعله بشيء يضره انتهى. وهذا فعل منفي ومدلوله نكرة، فينتفي جميع وجوه الضرر، ولا يتعين واحد منها. ومعنى حفيظ رقيب محيط بالأشياء علما لا يخفى عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مؤاخذتكم، وهو يحفظني مما تكيدونني به.
* (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين ءامنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ * عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد * وأتبعوا * وأتبعوا فى هاذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود) *: الأمر واحد الأمور، فيكون كناية عن العذاب، أو عن القضاء بهلاكهم. أو مصدر أمر أي أمرنا للريح أو