تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٤٧
بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) * وهو أب لهم ويدل عليه أنه فيما قيل: لم يكن له الابنتان، وهذا بلفظ الجمع. وأيضا فلا يمكن أن يزوج ابنتيه من جميع قومه. وقيل: أشار إلى بنات نفسه وندبهم إلى النكاح، إذ كان من سنتهم تزويج المؤمنة بالكافر. أو على أن في ضمن كلامه أن يؤمنوا. وقيل: كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه زغورا وزيتا. وقيل: كن ثلاثا.
ومعنى أطهر: أنظف فعلا. وقيل: أحل وأطهر بيتا ليس أفعل التفضيل، إذ لا طهارة في اتيان الذكور. وقرأ الجمهور: أطهر بالرفع والأحسن في الإعراب أن يكون جملتان كل منهما مبتدأ وخبر. وجوز في بناتي أن يكون بدلا، أو عطف بيان، وهن فصل وأطهر الخبر. وقرأ الحسن، وزيد بن علي، وعيسى بن عمر، وسعيد بن جبير، ومحمد بن مروان السدي: أطهر بالنصب. وقال سيبويه: هو لحن. وقال أبو عمرو بن العلاء: احتبي فيه ابن مروان في لحنه يعني: تربع. ورويت هذه القراءة عن مروان بن الحكم، وخرجت هذه القراءة على أن نصب أطهر على الحال. فقيل: هؤلاء مبتدأ، وبناتي هن مبتدأ وخبر في موضع خبر هؤلاء، وروي هذا عن المبرد. وقيل: هؤلاء بناتي مبتدأ وخبر، وهن مبتدأ ولكم خبره، والعامل قيل: المضمر. وقيل: لكم بما فيه من معنى الاستقرار. وقيل: هؤلاء بناتي مبتدأ وخبر، وهن فصل، وأطهر حال. ورد بأن الفصل لا يقع إلا بين جزءي الجملة، ولا يقع بين الحال وذي الحال. وقد أجاز ذلك بعضهم وادعى السماع فيه عن العرب، لكنه قليل. ثم أمرهم بتقوى الله في أن يؤثروا البنات على الأضياف. ولا تخزون: يحتمل أن يكون من الخزي وهو الفضيحة، أو من الخزاية وهو الاستحياء، لأنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزي هو، وذلك من عراقة الكرم وأصل المروءة أليس منكم رجل يهتدي إلى سبيل الحق وفعل الجميل، والكف عن السوء؟ وفي ذلك توبيخ عظيم لهم، حيث لم يكن منهم رشيد البتة. قال ابن عباس: رشيد مؤمن. وقال أبو مالك: ناه عن المنكر. ورشيد ذو رشد، أو مرشد كالحكيم بمعنى المحكم، والظاهر أن معنى من حق من نصيب، ولا من غرض ولا من شهوة، قالوا له ذلك على وجه الخلاعة. وقيل: من حق، لأنك لا ترى منا كحتنا، لأنهم كانوا خطبوا بناته فردهم، وكانت سنتهم إن من رد في خطبة امرأة لم تحل له أبدا. وقيل: لما اتخذوا اتيان الذكران مذهبا كان عندهم أنه هو الحق، وإن نكاح الإناث من الباطل. وقيل: لأن عادتهم كانت أن لا يتزوج الرجل منهم إلا واحدة، وكانوا كلهم متزوجين. وإنك لتعلم ما نريد يعني: من اتيان الذكور، ومالهم فيه من الشهوة. قال: لو أن لي بكم قوة، قال ذلك على سبيل التفجع. وجواب لو محذوف كما حذف في: * (ولو أن قرانا سيرت به الجبال) * وتقديره: لفعلت بكم وصنعت والمعنى في إلى ركن شديد: من يستند إليه ويمتنع به من عشيرته، شبه الذي يمتنع به بالركن من الجبل في شدته ومنعته، وكأنه امتنع عليه أن ينتصر ويمتنع بنفسه أو بغيره مما يمكن أن يستند إليه. وقال الحوفي، وأبو البقاء: أو آوي عطف على المعنى تقديره: أو أني آوي. والظاهر أن أو عطف جملة فعلية، على جملة فعلية إن قدرت إني في موضع رفع على الفاعلية على ما ذهب إليه المبرد أي: لو ثبت أن لي بكم قوة، أو آوي. ويكون المضارع المقدر وآوى هذا وقعا موقع الماضي، ولو التي هي حرف لما كان سيقع لوقوع غيره نقلت المضارع إلى الماضي، وإن قدرت أن وما بعدها جملة اسمية على مذهب سيبويه فهي عطف عليها من حيث أن لو تأتي بعدها الجملة المقدرة اسمية إذا كان الذي ينسبك إليها أن ومعمولاها. وقال أبو البقاء: ويجوز أن يكون أو آوي مستأنفا انتهى. ويجوز على رأي الكوفيين أن تكون أو بمعنى بل، ويكون قد أضرب عن الجملة السابقة وقال: بل آوى في حالي معكم إلى ركن شديد، وكنى به عن جناب الله تعالى. وقرأ شيبة، وأبو جعفر: أو آوي بنصب الياء بإضمار أن بعد، أو فتتقدر بالمصدر عطفا على قوله: قوة. ونظيره من النصب بإضمار أن بعد أو قول الشاعر:
(٢٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 252 ... » »»