والتقدير: أعصيه في ترك ما أنا عليه من البينة. وقال ابن عطية: أرأيتم هو من رؤية القلب، والشرط الذي بعده وجوابه يسد مسد مفعولي علمت وأخواتها، وإدخال أداة الشرط التي هي إن على جملة محققة، وهي كان على بينة من ربه، لكنه خاطب الجاحدين للبينة فكأنه قال: قدروا أني على بينة من ربي وانظروا إن تابعتكم وعصيت ربي في أو أمره، فمن يمنعني من عذابه؟ قال ابن عطية: وفي الكلام محذوف تقديره: أيضرني شككم، أو أيمكنني طاعتكم، ونحو هذا مما يليق بمعنى الآية انتهى. وهذا التقدير الذي قدره استشعار منه بالمفعول الثاني الذي يقتضيه أرأيتم، وأن الشرط وجوابه لا يقعان ولا يسدان مسد مفعولي أرأيتم، والذي قدرناه نحن هو الظاهر لدلالة قوله: فمن ينصرني من الله إن عصيته، فما تزيدونني غير تخسير. قال الزمخشري: غير أن أخسركم أي أنسبكم إلى الخسران، وأقول أنكم خاسرون انتهى. يفعل هذا للنسبة كفسقته وفجرته أي: نسبته أي الفق والفجور. قال ابن عباس: معناه ما تزيدونني بعبادتكم إلا بصارة في خسرانكم انتهى. فهو على حذف مضاف أي: غير بصاوة تخسيركم. وقال مجاهد: ما تزدادون أنتم باحتجاجكم بعبادة آبائكم إلا خسارا، وأضاف الزيادة إلى نفسه لأنهم أعطوه ذلك وكان سألهم الإيمان. وقال ابن عطية: فما تعطوني فيما اقتضيته منكم من الإيمان غير تخسير لأنفسكم، وهو من الخسارة وليس التخسير إلا لهم، وفي حيزهم، وأضاف الزيادة إليه من حيث هو مقتض لأقوالهم موكل بإيمانهم كما تقول لمن توصيه: أنا أريدك خيرا وأنت تريدني سوأ، وكان الوجه البين أن يقول: وأنت تريد شرا، لكن من حيث كنت مريد خير، ومقتضى ذلك حسن أن يضيف الزيادة إلى نفسك انتهى. وقيل: التقدير فما تحملونني عليه، غير أني أخسركم أي: أرى منكم الخسران. وقيل: التقدير تخسروني أعمالكم وتبطلونها. قيل وهذا أقرب، لأن قوله: فمن ينصرني من الله إن عصيته كالدلالة على أنه أراد إن اتبعتكم فيما أنتم عليه ودعوتموني إليه لم أزدد إلا خسرانا في الدين، فأصبر من الهالكين الخاسرين. وانتصب آية على الحال، والخلاف في الناصب في نحو هذا زيد منطلقا، أهو حرف التنبيه؟ أو اسم الإشارة؟ أو فعل محذوف؟ جاز في نصب آية ولكم في موضع الحال، لأنه لو تأخر لكان نعتا لآية، فلما تقدم على النكرة كان حالا، والعامل فيها محذوف.
وقال الزمخشري: (فإن قلت): فبم يتعلق لكم؟ (قلت): بآية حالا منها متقدمة، لأنها لو تأخرت لكان صفة لها، فلما تقدمت انتصب على الحال انتهى. وهذا متناقض، لأنه من حيث تعلق لكم بآية كان لكم معمولا لآية، وإذا كان معمولا لها امتنع أن يكون حالا منها، لأن الحال تتعلق بمحذوف، فتناقض هذا الكلام، لأنه من حيث كونه معمولا لها كانت هي العاملة، ومن حيث كونه حالا منها كان العامل غيرها، وتقدم الكلام على الجمل التي بعد آية. وقرأت فرقة: تأكل بالرفع على الاستئناف، أو على الحال. وقريب عاجل لا يستأخر عن مسكموها بسوء إلا يسيرا، وذلك ثلاثة أيام، ثم يقع عليكم، وهذا الإخبار بوحي من الله تعالى فعقروها نسب إلى جميعهم وإن كان العاقر واحدا لأنه كان برضا منهم، وتمالؤا. ومعنى تمتعوا استمتعوا بالعيش في داركم في بلدكم، وتسمي البلاد الديار لأنها يدار فيها أي: يتصرف، يقال: ديار بكر لبلادهم قاله الزمخشري. وقال ابن عطية: في داركم جمع دارة، كساحة وساح وسوح، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
* له داع بمكة مشمعل * وآخر فوق دارته ينادي * ويمكن أن يسمي جميع مسكن الحي دارا انتهى. ذلك أي: الوعد بالعذاب غير مكذوب، أي صدق حق. والأصل غيره مكذوب فيه، فاتسع فحذف الحرف وأجرى الضمير مجرى المفعول به، أو جعل غير مكذوب لأنه وفى به فقد صدق، أو على أن المكذوب هنا مصدر عند من يثبت أن المصدر يجيء على زنة مفعول.
* (فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين ءامنوا معه برحمة منا ومن خزى يومئذ إن ربك هو القوى العزيز وأخذ (سقط: الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم) *