تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٥ - الصفحة ٢٤٩
الزمخشري: وفي إخراجها مع أهله روايتان: روي أنه أخرجها معهم وأمر أن لا يلتفت منهم أحد إلا هي، فلما سمعت هدة العذاب التفتت وقالت: واقوماه، فأدركها حجر فقتلها. وروي أنه أمر بأن يخلفها مع قومها، وأن هواها إليهم، ولم يسر بها. واختلاف القراءتين لاختلاف الروايتين انتهى. وهذا وهم فاحش إذ بنى القراءتين على اختلاف الروايتين من أنه سري بها، أو أنه لم يسر بها، وهذا تكاذب في الأخبار يستحيل أن تكون الفراءتان وهما من كلام الله تترتبان على التكاذب. وقيل في الاستثناء من الأهل إشكال من جهة المعنى، إذ يلزم أن لا يكون سري بها، ولما التفتت كانت قد سرت معهم قطعا، وزال هذا الإشكال أن يكون لم يسر بها، ولكنها لما تبعتهم التفتت. وقيل: الذي يظهر أن الاستثناء على كلتا القراءتين منقطع، لم يقصد به إخراجها من المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، ولكن استؤنف الأخبار عنها، فالمعنى: لكن امرأتك يجري لها كذا وكذا. ويؤيد هذا المعنى أن مثل هذه الآية جاءت في سورة الحجر، وليس فيها استثناء البتة قال تعالى: فاسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون، فم تقع العناية في ذلك إلا بذكر من أنجاهم الله تعالى. فجاء شرح حال امرأته في سورة هود تبعا لا مقصودا بالإخراج مما تقدم، وإذا اتضح هذا المعنى علم أن القراءتين وردتا على ما تقتضيه العربية في الاستثناء المنقطع، ففيه النصب والرفع. فالنصب لغة أهل الحجاز وعليه الأكثر، والرفع لبني تميم وعليه اثنان من القراء انتهى. وهذا الذي طول به لا تحقيق فيه، فإنه إذا لم يقصد إخراجها من المأمور بالإسراء بهم ولا من المنهييين عن الالتفات، وجعل استثناء منقطعا كان الاستثناء المنقطع الذي لم يتوجه عليه العامل بحال، وهذا النوع من الاستثناء المنقطع يجب فيه النصب بإجماع من العرب، وليس فيه النصب والرفع باعتبار اللغتين، وإنما هذا في الاستثناء المنقطع، وهو الذي يمكن توجه العامل عليه. وفي كلا النوعين يكون ما بعد إلا من غير الجنس المستثنى منه، فكونه جاز فيه اللغتان دليل على أنه مما يمكن أن يتوجه عليه العامل، وهو قد فرض أنه لم يقصد بالاستثناء إخراجها عن المأمور بالإسراء بهم، ولا من المنهيين عن الالتفات، فكان يجب فيه إذذاك النصب قولا واحدا. والظاهر أن قوله ولا يلتفت، من التفات البصر. وقالت فرقة: من لفت الشيء يلفته إذا ثناه ولواه، فمعناه: ولا يتثبط. وفي كتاب الزهراوي أن المعنى: ولا يلتفت أحد إلى ما خلف بل يخرج مسرعا. والضمير في أنه ضميرالشأن، ومصيبها مبتدأ، وما أصابهم الخبر. ويجوز على مذهب الكوفيين أن يكون مصيبها خبر إن، وما أصابهم فاعل به، لأنهم يجيزون أنه قائم أخواك. ومذهب البصريين أن ضمير الشان لا يكون خبره إلا جملة مصرحا بجزءيها، فلا يجوز هذا الإعراب عندهم.
وقرأ عيسى بن عمر: الصيح بضم الباء. قيل: وهي لغة، فلا يكون ذلك اتباعا وهو على حذف مضاف أي: إن موعد هلاكهم الصبح. ويروى أن لوطا عليه السلام قال: أريد أسرع من ذلك، فقالت له الملائكة: أليس الصبح بقريب؟ وجعل الصبح ميقاتا لهلاكهم، لأن النفوس فيه أودع، والراحة فيه أجمع. ويروى أن لوطا خرج بابنتيه ليس معه غيرهما عند طلوع الفجر، وطوى الله له الأرض في وقته حتى نجا، ووصل إلى إبراهيم عليهما السلام. والضمير في عاليها عائد على مدائن قوم لوط، جعل جبريل جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء، حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة، ثم قلبها عليهم، وأتبعوا الحجارة من فوقهم وهي المؤتفكات سبع مدائن. وقيل: خمس عدها المفسرون، وفي ضبطها إشكال، فأهملت ذكرها. وسدوم في القرية العظمى، وأمطرنا عليها أي على أهلها. وروي أن الحجارة أصابت منهم من كان خارج مدنهم حتى قتلتهم أجمعين، وأن رجلا كان في الحرم فبقي الحجر معلقا في الهواء حتى خرج من الحرم فقتله الحجر. قال أبو العالية، وابن زيد: السجيل اسم لسماء الدنيا، وهذا ضعيف لوصفه بمنضود، وتقدم شرحه في المفردات. وقيل: من أسجله إذا
(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 244 245 246 247 248 249 250 251 252 253 254 ... » »»