تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٤
انتهى. وقيل لا علم لنا بما كان بعدنا وإنما الحكم للخاتمة. قال الزمخشري وكيف يخفى عليهم أمرهم وقد رأوهم سود الوجوه زرق العيون موبخين انتهى. وقال ابن أبي الفضل الأصح ما اختاره ابن عباس أي تعلم ما أظهروا وما أضمروا ونحن ما نعلم إلا ما أظهروا فعلمك فيهم أنفذ من علمنا فبهذا المعنى نفوا العلم عن أنفسهم لأن علمهم عند الله كلا علم انتهى، فيكون مما نفيت فيه الحقيقة ظاهرا والمقصود نفي الكمال كأنه قال: لا علم لنا كامل، تقول لا رجل في الدار أي كامل الرجولية في فوته ونفاذه. وقال أبو عبد الله الرازي ثبت في علم الأصول أن العلم غير والظن غير والحاصل عند كل أحد من الغير إنما هو الظن لا العلم ولذلك قال عليه السلام: (نحن نحكم بالظواهر والله متولي السرائر). وقال عليه السلام: (إنكم تختصمون إلى الحديث) والأنبياء قالوا: لا علم لنا البتة بأحوالهم إنما الحاصل عندنا من أحوالهم هو الظن والظن كان معتبرا في الدنيا لأن الأحكام في الدنيا كانت مبنية على الظنون أما الآخرة فلا التفات فيها إلى الظن لأن الأحكام مبنية على حقائق الأشياء وبواطن الأمور فلهذا السبب قالوا * (لا علم لنا) * ولم يذكروا البتة ما معهم من الظن، لأن الظن لا عبرة به في القيامة انتهى كلامه. وقال ابن عطية: لا علم لنا بسؤالك ولا جواب لنا عنه. وقرأ ابن عباس وأبو حيوة * (ماذا أجبتم) * مبنيا للفاعل. وقرأ علام بالنصب وهو على حذف الخبر لفهم المعنى فيتم الكلام بالمقدر في قوله * (إنك أنت) * أي إنك الموصوف بأوصافك المعروفة من العلم وغيره. وقال الزمخشري ثم نصب * (علام الغيوب) * على الاختصاص أو على النداء أو صفة لاسم إن انتهى. وهذا الوجه الأخير لا يجوز لأنهم أجمعوا على أن ضمير المتكلم وضمير المخاطب لا يجوز أن يوصف وأما ضمير الغائب ففيه خلاف شاذ، للكسائي. وقرأ حمزة وأبو بكر الغيوب بكسر الغين حيث وقع كأن من قال ذلك من العرب قد استثقل توالي ضمتين مع الياء ففر إلى حركة مغايرة للضمة مناسبة لمجاورة الياء وهي للكسرة.
* (إذ قال الله ياعيسى * عيسى ابن مريم * اذكر نعمتى عليك وعلى والدتك) * يحتمل أن يكون * (إذ) * بدلا من قوله: * (يوم يجمع الله الرسل) * والمعنى أنه يوبخ الكافرين يومئذ بسؤال الرسل عن إجابتهم وبتعدد ما أظهر على أيديهم من الآيات العظام فكذبوهم وسموهم سحرة وجاوز حد التصديق إلى أن اتخذوهم آلهة كما قال بعض بني إسرائيل فيما أظهر على يد عيسى من البينات * (هاذا سحر مبين) * واتخذه بعضهم وأمه إلهين قاله الزمخشري. وقال ابن عطية يحتمل أن يكون العامل في * (إذ) * مضمرا تقديره اذكر يا محمد، وقال هنا بمعنى يقول لأن الظاهر من هذا القول أنه في القيامة تقدمة لقوله:) * أأنت قلت للناس) * ويحتمل أن يكون * (*) * أأنت قلت للناس) * ويحتمل أن يكون * (*) * ويحتمل أن يكون * (إذ) * بدلا من قوله: * (يوم يجمع الله) * انتهى. وجوزوا أن يكون إذ في موضع خبر مبتدأ محذوف تقديره ذلك إذ قال الله. وإذا كان المنادى علما مفردا ظاهر الضمة موصوفا بابن متصل مضاف إلى علم جاز فتحه اتباعا لفتحة ابن. هذا مذهب الجمهور وأجاز الفراء وتبعه أبو البقاء في ما لا يظهر فيه الضمة تقدير والفتحة فإن لم تجعل * (ابن مريم) * صفة وجعلته بدلا أو منادى فلا يجوز في ذلك العلم إلا الضم وقد خلط بعض المفسرين وبعض من ينتمي إلى النحو هنا، فقال بعض المفسرين: يجوز أن يكون * (عيسى) * في محل الرفع لأنه منادى معرفة غير مضاف ويجوز أن يكون في محل النصب لأنه في نية الإضافة ثم جعل الابن توكيدا وكل ما كان مثل هذا جاز فيه
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»