تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٥
الوجهان نحو يا زيد بن عمرو وأنشد النحويون:
* يا حكم بن المنذر بن الجارود * أنت الجواد بن الجواد بن الجود * قال التبريزي الأظهر عندي أن موضع عيسى نصب لأنك تجعل الاسم مع نعته إذا أضفته إلى العلم كالشئ الواحد المضاف انتهى. والذي ذكره النحويون في نحو يا زيد بن بكر إذا فتحت آخر المنادى أنها حركة اتباع الحركة نون ابن ولم يعتد بسكون باء ابن لأن الساكن حاجز غير حصين، قالوا: ويحتمل أن يراد بالذكر هنا الإقرار وأن يراد به الإعلام وفائدة هذا الذكر إسماع الأمم ما خصه به تعالى من الكرامة وتأكيد حجته على جاحده، وقيل أمر بالذكر تنبيها لغيره على معرفة حق النعمة ووجوب شكر المنعم، قال الحسن ذكر النعمة شكرها والنعمة هنا جنس ويدل على ذلك ما عدد بعد هذا التوحيد اللفظي من النعم وإضافها إليه تنبيها على عظمها ونعمه عليه قد عددها هنا وفي البقرة وآل عمران ومريم وفي مواضع من القرآن ونعمته على أمه براءتها مما نسب إليها وتكفيلها لزكريا وتقبلها بقبول حسن وما ذكر في سورة التحريم * (ومريم ابنة عمران) * إلى آخره وغير ذلك وأمر بذكر نعمة أمه لأنها نعمة صائرة إليه.
* (إذ أيدتك بروح القدس) * قرأ الجمهور بتشديد الياء، وقرأ مجاهد وابن محيصن أيدتك على أفعلتك، وقال ابن عطية على وزن فاعلتك، ثم قال ويظهر أن الأصل في القراءتين أيدتك على وزن أفعلتك ثم اختلف الإعلال والمعنى فيهما * (أيدتك) * من الأبد، وقال عبد المطلب:
* الحمد لله الأعز الأكرم * أيدنا يوم زحوف الأشرم * انتهى والذي يظهر أن أيد في قراءة الجمهور ليس وزنه أفعل لمجيء المضارع على يؤيد فالوزن فعل ولو كان أفعل لكان المضارع يؤيد كمضارع آمن يؤمن وأما من قرأ آيد فيحتاج إلى نقل مضارعه من كلام العرب فإن كان يؤايد فهو فاعل وإن كان يؤيد فهو أفعل. وأما قول ابن عطية إنه في القراءتين يظهر أن وزنه أفعلتك ثم اختلف الإعلال فلا أفهم ما أراد. وتقدم تفسير نظير هذه الجملة في قوله وأيدناه بروح القدس.
* (تكلم الناس فى المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذنى فتنفخ) *.
تقدم تفسير نظير هذه الجمل والقراءات التي فيها والإعراب وما لم يتقدم ذكره نذكره فنقول جاء هناك * (كهيئة الطير فتنفخ فيها فتكون) *. وقرأ ابن عباس فتنفخها فتكون. وقرأ الجمهور * (فتكون) * بالتاء من فوق. وقرأ عيسى بن عمر فيها فيكون بالياء من تحت والضمير في * (فيها) * قال ابن عطية اضطرب المفسرون فيه قال مكي هو في آل عمران عائد على الطائر وفي المائدة عائد على الهيئة، قال ويصح عكس هذا وقال غيره الضمير المذكور عائد على * (الطين) *. قال ابن عطية ولا يصح عود هذا الضمير لا على الطين ولا على الهيئة لأن الطير أو الطائر الذي يجيء الطير على هيئته لا نفخ فيه البتة، وكذلك لا نفخ في هيئته الخاصة به وكذلك الطين إنما هو الطين
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»