السلطان على إشباع هذا، ويكون غرضه منه أن ذلك أمر واضح لا يجوز للعاقل أن يشك فيه، وأبعد من قال هل ينزل ربك مائدة من السماء ويستطيع صلة ومن قال: الرب هنا جبريل لأنه كان يربي عيسى ويخصه بأنواع الإعانة ولذلك قال في أول الآية * (إذ أيدتك بروح القدس) * وروي أن الذي نحابهم هذا المنحى من الاقتراح هو أن عيسى قال لهم مرة هل لكم في صيام ثلاثين يوما الله تعالى، ثم إن سألتموه حاجة قضاها فلما صاموها قالوا: يا معلم الخبر، إن حق من عمل عملا أن يطعم فهل يستطيع ربك. فأرادوا أن تكون المائدة عيد ذلك الصوم. وقرأ الكسائي هل تستطيع ربك بالتاء من فوق * (ربك) * بنصب الباء وهي قراءة علي ومعاذ وابن عباس وعائشة وابن جبير. قالت عائشة كان الحواريون أعرف بالله من أن يقولوا * (هل يستطيع ربك) * نزهتهم عن بشاة اللفظ وعن مرادهم ظاهره. وقد ذكرنا تأويلات ذلك ومعنى هذه القراءة هل تستطيع سؤال ربك و * (أن ينزل) * معمول لسؤال المحذوف إذ هو حذف لا يتم المعنى إلا به. وقال أبو علي وقد يمكن أن يستغني عن تقدير سؤال على أن يكون المعنى هل تستطيع أن ينزل ربك بدعائك فيؤول المعنى ولا بد إلى مقدر يدل عليه ما ذكر من اللفظ انتهى. ولا يظهر ما قال أبو علي لأن فعل الله تعالى وإن كان سببه الدعاء لا يكون مقدورا لعيسى وأدغم الكسائي لام * (هل) * في ياء * (يستطيع) * وعلى هذه القراءة يكون قول عيسى * (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين) * لم ينكر عليه الاقتراح للآيات وهو على كلتا القراءتين يكون قوله * (إن كنتم مؤمنين) * تقريرا للإيمان كما تقول افعل كذا وكذا إن كنت رجلا. وقال مقاتل وجماعة اتقوه أن تسألوه البلاء لأنها إن نزلت وكذبتم عذبتم. وقال أبو عبيد وجماعة أن تسألوه ما لم تسأله الأمم قبلكم. وقيل أن تشكوا في قدرته على إنزال المائدة. وقيل التقوا الله في الشك فيه وفي رسله وآياتهم. وقيل اتقوا معاصي الله. وقيل أمرهم بالتقوى ليكون سببا لحصول هذا المطلوب كما قال تعالى * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا) *. وقال الزمخشري هنا * (عيسى) * في محل النصب على اتباع حركته حركة الابن كقولك يا زيد بن عمرو وهي اللغة الفاشية ويجوز أن يكون مضموما كقولك يا زيد بن عمرو والدليل عليه قوله: أجاز ابن عمر كأني خمر، لأن الترخيم لا يكون إلا في المضموم انتهى. فقوله: عيسى في محل النصب على هذا التقدير وعلى تقدير ضمه فهو لا اختصاص له بكونه في محل النصب على تقدير الأتباع فإصلاحه عيسى مقدر فيه الفتحة على اتباع الحركة وقوله: ويجوز أن يكون مضموما هذا مذهب الفراء وهو تقدير الفتح والضم ونحوه مما لا تظهر فيه الضمة قياسا على الصحيح ولم يبدأ أولا بالضم الذي هو مجمع على تقديره فليس بشرط، ألا ترى إلى جواز ترخيم رجل اسمه مثنى فتقول يا مثن أقبل وإلى ترخيم بعلبك وهو مبني على الفتح لكنه في تقدير الاسم المضموم وإن عنى ضمة مقدرة فإن عنى ضمة ظاهرة فليس بشرط ألا ترى إلى جواز ترخيم رجل اسمه مثنى فتقول يا مثن فإن مثل يا جعفر بن زيد مما فتح فيه آخر المنادي لأجل الاتباع مقدر فيه الضمة لشغل الحرف بحركة الاتباع كما قدر الأعرابي في قراءة من قرأ الحمد لله بكسر الدال لأجل اتباع حركة الله فقولك: يا حار هو مضموم تقديرا وإن كانت الثاء المحذوفة مشغولة في الأصل بحركة الاتباع، وهي الفتحة فلا تنافي بين الترخيم وبين ما فتح اتباعا وقدرت فيه الضمة، وكان ينبغي للزمخشري أن يتكلم على هذه المسألة قبل هذا في قوله تعالى: * (إذ قال الله ياعيسى * عيسى ابن
(٥٨)