تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٢
تحلفوا به كاذبين وأدوا الأمانة إلى أهلها واسمعوا سماع إجابة وقبول.
* (والله لا يهدى القوم الفاسقين) * إشارة إلى من حرف الشهادة أنه فاسق خارج عن طاعة الله فالله لا يهديه إلا إذا تاب، فاللفظ عام والمعنى اشتراط انتفاء التوبة.
* (يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب) * مناسبة هذه لما قبلها أنه لما أخبر تعالى بالحكم في شاهدي الوصية وأمر بتقوى الله والسمع والطاعة، ذكر بهذا اليوم المهول المخوف وهو يوم القيامة فجمع بذلك بين فضيحة الدنيا وعقوبة الآخرة لمن حرف الشهادة ولمن لم يتق الله ولم يسمع، وذكروا في نصب * (يوم) * وجوها: أحدها: أنه منصوب بإضمار اذكروا. والثاني: بإضمار احذروا. والثالث: باتقوا. والرابع: باسمعوا قاله الحوفي. والخامس: بلا يهدي، قال قوم منهم الزمخشري وأبو البقاء قالا: لا يهديهم في ذلك اليوم طريق الجنة، قال أبو البقاء أولا يهديهم في ذلك اليوم إلى الحجة. والسادس: أجاز الزمخشري أن ينتصب على البدل من المنصوب في قوله * (واتقوا الله) *، وهو بدل الاشتمال، كأنه قيل واتقوا الله يوم جمعه وفيه بعد لطول الفصل بالجملتين. والسابع أن ينتصب على الظرف والعامل فيه مؤخر تقديره * (يوم يجمع الله الرسل) * كان كيت وكيت قاله الزمخشري، وقال ابن عطية وصف الآية وبراعتها إنما هو أن يكون هذا الكلام مستأنفا والعامل اذكروا واحذروا مما حسن اختصاره لعلم السامع والإشارة بهذا اليوم إلى يوم القيامة، وخص الرسل بالذكر لأنهم قادة الخلق وفي ضمن جمعهم جمع الخلائق وهم المكلمون أولا انتهى. والذي نختاره غير ما ذكروا وهو أن يكون * (يوم) * معمولا لقوله * (قالوا لا علم لنا) * أي قال الرسل وقت جمعهم وقول الله لهم * (ماذا أجبتم) * وصار نظير ما قلناه في قوله * (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل فى الارض خليفة قالوا أتجعل) * وسؤاله تعالى إياهم بقوله ماذا * (أجبتم) * سؤال توبيخ لأممهم لتقوم الحجة عليهم ويبتدأ حسابهم كما سئلت الموؤودة توبيخا لوائدها وتوقيفا له على سوء فعله وانتصاب ماذا أجبتم ولو أريد الجواب لقيل بماذا أجبتم قاله الزمخشري، وقيام ما الاستفهامية مقام المصدر جائز وكذلك ماذا إذا جعلتها كلها استفهاما وأنشدوا على مجيء ما ذكر مصدرا قول الشاعر:
* ماذا تعير ابنتي ربع عويلهما * لا ترقدان ولا بؤسي لمن رقدا * وقال ابن عطية معناه ماذا أجابت به الأمم، ولم يجعل ما مصدرا بل جعلها كناية عن الجواب، وهو الشيء المجاب به لا للمصدر، وهو الذي عنى الزمخشري بقوله ولو أريد الجواب لقيل بماذا أجبتم. وقال الحوفي ما للاستفهام وهو مبتدأ بمعنى الذي خبرها وأجبتم صلته والتقدير ماذا أجبتم به انتهى، وحذف هذا الضمير المجرور بالحرف يضعف لو قلت جاءني الذي مررت تريد به كان ضعيفا إلا إن اعتقد أنه حذف حرف الجر
(٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 ... » »»