تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥٠٧
للناقضين كان ذلك سببلا للأخذ في قتاله والتمالؤ عليه فأمره تعالى للمؤمنين بإعداد ما قدروا عليه من القوة للجهاد والإعداد الارصاد وعلق ذلك بالاستطاعة لطفا منه تعالى والمخاطبون هم المؤمنون والضمير في لهم عائد على الكفار المتقدمي الذكر وهم المأمور بحربهم في ذلك الوقت ويعم من بعده. وقيل: يعود على الذين ينبذ إليهم العهد والظاهر العموم في كل ما يتوقى به على حرب العدو مما أورده المفسرون على سبيل الخصوص والمراد به التمثيل كالرمي وذكور الخيل وقوة القلوب واتفاق الكلمة والحصون المشيدة وآلات الحرب وعددها والأرواد والملابس الباهية حتى أن مجاهدا رؤي يتجهز للجهاد وعنده جوالق فقال هذا من القوة وأما ما ورد في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم) وهو على المنبر يقول وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا وإن القوة الرمي ألا إن القوة الرمي فمعناه والله أعلم أن معظم القوة وأنكاها للعدو الرمي كما جاء الحج عرفة وجاء في فضل الرمي أحاديث وعلى ما اخترناه من عموم القوة يكون قوله ومن رباط الخيل تنصيص على فضل رباط الخيل إذا كانت الخيل هي أصل الحروب والخير معقود بنواصيها وهي مراكب الفرسان الشجعان، وقال أبو زيد الرباط من الخيل الخمس فما فوقها وجماعة ربط وهي التي ترتبط يقال: منه ربط ربطا وارتبط انتهى، قال:
* تلوم على ربط الجياد وحبسها * وأوصى بها الله النبي محمدا * قال ابن عطية: ورباط الخيل جمع ربط ككلب وكلاب ولا يكثر ربطها إلا وهي كثيرة ويجوز أن يكون الرباط مصدرا من ربط كصاح صياحا لأن مصادر الثلاثي غير المزيد لا تنقاس وإن جعلناه مصدرا من رابط وكان ارتباط الخيل واتخاذها يفعله كل واحد لفعل آخر فيرابط المؤمنون بعضهم بعضا فإذا ربط كل واحد منهم فرسا لأجل صاحبه فقد حصل بينهم رباط وذلك الذي حض في الآية عليه وقال قال صلى الله عليه وسلم): من ارتبط فرسا في سبيل الله فهو كالباسط يده بالصدقة لا يقبضها والأحاديث في هذا المعنى كثيرة انتهى، فجوز في رباط أن يكون جمعا لربط وأن يكون مصدرا لربط والرابط وقوله: لأن مصادر الثلاثي غير المزيد لا تنقاس ليس بصحيح بل لها مصادر منقاسة ذكرها النحويون، وقال الزمخشري والرباط اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ويجوز أن تسمى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة ويجوز أن يكون جمع ربيط كفصيل وفصال، وقرأ الحسن وأبو حيوة وعمرو بن دينار ومن ربط بضم الراء والباء وعن أبي حيوة والحسن أيضا ربط بضم الراء وسكون الباء وذلك نحو كتاب وكتب وكتب، قال ابن عطية: وفي جمعه وهو مصدر غير مختلف نظر انتهى، ولا يتعين كونه مصدرا ألا ترى إلى قول أبي زيد إنه من الخيل الخمس فما فوقها وإن جماعها ربط وهي التي ترتبط والظاهر عموم الخيل ذكورها وإناثها، وقال عكرمة: رباط الخيل إناثها وفسر القوة بذكورها واستحب رباطها بعض العلماء لما فيها من النتاج كما قال: بطونها كنز، وقيل: رباط الخيل الذكور منها لما فيها من القوة والجلد على القتال والكفاح والكر والفر والعدو والضمير في به عائد على ما من قوله ما استطعتم، وقيل: على الإعداد، وقيل: على
(٥٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 ... » »»