تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٥١٥
ومعنى وأما إذا فصل بينهما بغير لا كهذه القراءة فهو شاذ قليل، والله عزيز ينصر أولياءه ويجعل الغلبة لهم ويمكنهم من أعدائهم قتلا وأسرا حكيم يضع الأشياء مواضعها، قال ابن عباس ومقاتل لولا أن الله كتب في أم الكتاب أنه سيحل لكم الغنائم لمسكم فيما تعجلتم منها ومن الفداء يوم بدر قبل أن تؤمروا بذلك عذاب عظيم، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد: لو سبق أنه يعذب من أتى ذنبا على جهالة لعوقبتم، وقال علي بن أبي طالب ومحمد بن علي بن الحسين وابن إسحاق: سبق أن لا يعذب إلا بعد النهي ولم يكن نهاهم، وقال الحسن وابن جبير وابن زيد وابن أبي نجيح عن مجاهد لولا ما سبق لأهل بدر إن الله لا يعذبهم لعذبهم، وقال الماوردي لولا أن القرآن اقتضى غفران الصغائر لعذبهم، وقال قوم: الكتاب السابق عفوه عنهم في هذا الذنب معينا، وقيل: هو أن لا يعذبهم والرسول فيه، وقيل: ما كتبه على نفسه من الرحمة. وقيل : سبق أنه لا يضل قوما بعد إذ هداهم، وقيل: سبق أنه سيحل لهم الغنائم والفداء، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن، وقيل: سبق أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر لعذبكم بأخذ الغنائم، واختاره النحاس، وقال قوم: الكتاب السابق هو القرآن والمعنى لولا الكتاب الذي سبق فآمنتم به وصدقتم لمسكم العذاب لأخذكم هذه المفاداة، وقال الزمخشري: لولا حكم منه تعالى سبق إثباته في اللوح وهو أن لا يعاقب أحدا بخطأ وكان هذا خطأ في الاجتهاد لأنهم نظروا في أن استبقاءهم ربما كان سببا في إسلامهم وتوبتهم وأن فداءهم يتقوى به على الجهاد في سبيل الله وخفي عنهم أن قتلهم أعز للإسلام وأهيب لمن وراءهم وأفل لشوكتهم انتهى. وروي لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر وفي حديث آخر وسعد بن معاذ وذلك أن رأيهما كان أن تقتل الأسارى. والذي أقوله أنهم كانوا مأمورين أولا بقتل الكفار في غير ما آية كقوله فاقتلوهم حيث وجدتموهم فاقتلوهم حيث ثقفتموهم فلما كانت وقعة بدر وأسروا جماعة من المشركين اختلفوا في أخذ الفداء منهم وفي قتلهم فعوتب من رأى الفداء إذ كان قد تقدم الأمر بالقتل حيث لم يستصحبوا امتثال الأمر ومالوا إلى الفداء وحرصوا على تحصيل المال ألا ترى إلى قول المقداد حين أمر الرسول صلى الله عليه وسلم) بقتل عقبة بن أبي معيط قال: أسيري يا رسول الله، وقول مصعب بن عمير لمن أسر أخاه: شد يدك عليه فإن له أما مؤسرة، ثم بعد هذه المعاتبة أمر الرسول بقتل بعض والمن بالإطلاق في بعض والفداء في بعض فكان ذلك نسخا لتحتم القتل، ثم قال تعالى: لولا كتاب من الله سبق في تأييدكم ونصركم وقهركم أعداءكم حتى استوليتم عليهم قتلا وأسرا ونهبا على قلة عددكم وعددكم لمسكم فيما أخذتم من غنائمهم وفدائهم عذاب عظيم منهم لكونهم كانوا أكثر عددا منكم وعددا ولكنه سهل تعالى عليكم ولم يمسكم منهم عذاب لا بقتل ولا أسر ولا نهب وذلك بالحكم السابق في قضائه أنه يسلطكم عليهم ولا يسلطهم عليكم فليس المعنى لمسكم من الله وإنما المعنى لمسكم من أعدائكم كما قال: * (إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله) * وقال: * (إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون) * ثم قال تعالى: * (فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا) * أي مما عنمتم ومنه ما حصل بالفداء الذي أقره الرسول صلى الله عليه وسلم) وقال لا يفلتن منهم رجل إلا بفدية أو ضرب عنق وليس هذا الأمر منشأ لإباحة الغنائم إذ قد سبق تحليلها قبل يوم بدر ولكنه أمر يفيد التوكيد واندراج مال الفداء في عموم ما غنمتم إذ كان قد
(٥١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 519 » »»