* حتى إذا جن الظلام واختلط * جاءوا بمذق هل رأيت الذئب قط * أي بمذق مقول فيه هذا القول لأن فيه لون الزرقة التي هي معنى الذئب انتهى. وتحريره أن الجملة معمولة لصفة محذوفة وزعم الفراء أن الجملة جواب للأمر نحو قولك: إنزل عن الدابة لا تطرحنك أي إن تنزل عنها لا تطرحنك، قال: ومنه لا يحطكمنكم سليمان أي إن تدخلوا لا يحطمنكم فدخلت النون لما فيها من معنى الجزاء انتهى، وهذا المثال بقوله ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم ليس نظير واتقوا فتنة لأنه ينتظم من المثال والآية شرط وجزاء كما قدر ولا ينتظم ذلك هناك ألا ترى أنه لا يصح تقدير إن تتقوا فتنة لا تصيب الذين ظلموا منكم خاصة لأنه يترتب إذ ذاك على الشرط مقتضاه من جهة المعنى وأخذ الزمخشري قول الفراء وزاده فسادا وخبط فيه فقال وقوله لا تصيبن لا يخلو من أن يكون جوابا للأمر أو نهيا بعد أمر أو صفة لفتنة فإذا كان جوابا فالمعنى إن أصابتكم لا تصب الظالمين منكم خاصة ولكنها تعمكم انتهى. تقرير هذا القول فانظر كيف قدر أن يكون جوابا للأمر الذي هو اتقوا ثم قدر أداة الشرط داخلة على غير مضارع اتقوا فقال فالمعنى إن أصابتكم يعني الفتنة وانظر كيف قدر الفراء في أنزل عن الدابة لا تطرحنك وفي قوله ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم فأدخل أداة الشرط على مضارع فعل الأمر وهكذا يقدر ما كان جوابا للأمر وزعم بعضهم أن قوله لا تصيبن جواب قسم محذوف، وقيل لا نافية وشبه النفي بالموجب فدخلت النون كما دخلت في لتضربن التقدير: والله لا تصيبن فعلى القول الأول بأنها صفة أو جواب أمر أو جواب قسم تكون النون قد دخلت في المنفى بلا وذهب بعض النحويين إلى أنها جواب قسم محذوف والجملة موجبة فدخلت النون في محلها ومطلت اللام فصارت لا والمعنى لتصيبن ويؤيد هذا قراءة ابن مسعود وعلى وزيد ان ثابت والباقر والربيع بن أنس وأبي العالية لتصيبن وفي ذلك وعيد للظالمين فقط وعلى هذا التوجيه خرج ابن جني أيضا قرا 0 ءة الجماعة لا تصيبن وكون اللام مطلت فحدثت عنها الألف إشباعا لأن الإشباع بابه الشعر، وقال ابن جني في قراءة ابن مسعود ومن معه يحتمل أن يراد بهذه القراءة لا تصيبن فحذفت الألف تخفيفا واكتفاء بالحركة كما قالوا أم والله. قال المهدوي كما حذفت من ما وهي أخت لا في قوله أم والله والله لأفعلن وشبهه انتهى وليست للنفي، وحكى النقاش عن ابن مسعود أنه قرأ فتنة أن تصيب، وعن الزبير: لتصيبن وخرج المبرد والفراء والزجاج قراءة لا تصيبن على أن تكون ناهية وتم الكلام عند قوله واتقوا فتنة وهو خطاب عام للمؤمنين تم الكلام عنده ثم ابتدىء نهي الظلمة خاصة عن التعرض للظلم فتصيبهم الفتنة خاصة وأخرج النهي على جهة إسناده للفتنة فهو نهي محول كما قالوا لا أرينك ههنا أي لا تكن هنا فيقع مني رؤيتك والمراد هنا لا يتعرض الظالم للفتنة فتقع إصابتها له خاصة، وقال الزمخشري في تقدير هذا الوجه وإذا كانت نهيا بعد أمر فكأنه قيل واحذروا ذنبا أو عقابا ثم قيل لا تتعرضوا للظلم فيصيب العقاب أو أثر الذنب من ظلم منكم خاصة، وقال الأخفش لا تصيبن هو على معنى الدعاء انتهى والذي دعاه إلى هذا والله أعلم استبعاد دخول نون التوكيد في المنفي بلا واعتياض تقريره نهيا فعدل إلى جعله دعاء فيصير المعنى لا أصابت الفتنة الظالمين خاصة واستلزمت الدعاء على غير الظالمين فصار التقدير لا أصابت ظالما ولا غير ظالم فكأنه واتقوا فتنة، لا أوقعها الله بأحد، فتلخص في تخريج قوله لا تصيبن أقوال الدعاء والنهي على تقديرين
(٤٧٨)