تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٨٢
من يكدني بشيء كنت منه ومعنى قد سمعنا قد سمعنا ولا نطيع أو قد سمعنا منك هذا وقولهم لو نشاء أي لو نشاء القول لقلنا مثل هذا الذي تتلوه وذكر على معنى المتلو وهذا القول منهم على سبيل البهت والمصادمة وليس ذلك في استطاعهم فقد طولبوا بسورة منه فعجزوا وكان أصعب شيء إليهم الغلبة وخصوصا في باب البيان فقد كانوا يتمالطون ويتعارضون ويحكم بينم في ذلك وكانوا أحرص الناس على قهر رسول الله صلى الله عليه وسلم) فكيف يحيلون المعارضة على المشيئة ويتعللون بأنهم لو أرادوا لقالوا مثل هذا القول.
* (إن هاذا إلا أساطير الاولين) *. تقدم شرحه في الأنعام.
* (وإذ قالوا اللهم إن كان هاذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * قائل ذلك النضر، وقيل أبو جهل رواه البخاري ومسلم، وقال الجمهور: قائل ذلك كفار قريش والإشارة في قوله إن كان هذا إلى القرآن أو ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم) من التوحيد وغيره أو نبوة محمد صلى الله عليه وسلم) من بين سائر قريش أقوال وتقدم الكلام على اللهم، وقرأ الجمهور هو الحق بالنصب جعلوا هو فصلا، وقرأ الأعمش وزيد بن علي بالرفع وهي جائزة في العربية فالجملة خبر كان وهي لغة تميم يرفعون بعد هو التي هي فصل في لغة غيرهم كما قال:
وكنت عليها بالملا أنت أقدر وتقدم الكلام على الفصل وفائدته في أول البقرة، وقال ابن عطية ويجوز في العربية رفع الحق على أنه خبر والجملة خبر كان. قال الزجاج ولا أعلم أحدا قرأ بهذا الجائز، وقراءة الناس إنما هي بنصب الحق انتهى، وقد ذكر من قرأ بالرفع وهذه الجملة الشرطية فيها مبالغة في إنكار الحق عظيمة أي إن كان حقا فعاقبنا على إنكاره بأمطار الحجارة علينا أم بعذاب آخر، قال الزمخشري ومراده نفي كونه حقا فإذا انتفى كونه حقا لم يستوجب منكره عذابا فكان تعليق العذاب بكونه حقا مع اعتقاد أنه ليس بحق كتعليقه بالمحال في قوله إن كان الباطل حقا مع اعتقاده أنه ليس بحق وقوله هو الحق تهكم بمن يقول على سبيل التخصيص والتعيين هذا هو الحق ويقال أمطرت كأنجمت وأسبلت ومطرت كهتفت وكثر الأمطار في معنى العذاب، (فإن قلت): فما فائدة قوله من السماء والأمطار لا تكون إلا منها، (قلت): كأنه أراد أن يقال فأمطر علينا السجيل وهي الحجارة المسومة للعذاب موضع حجارة من السماء موضع السجيل، كما يقال صب عليه مسرودة من حديد يريد درعا انتهى، ومعنى جوابه أن قوله من السماء جاء على سبيل التأكيد كما أن قوله من حديد معناه التأكيد لأن المسرودة لا تكون إلا من حديد كما أن الأمطار لا تكون إلا من السماء، وقال ابن عطية: وقولهم من السماء مبالغة وإغراق انتهى. والذي يظهر لي أن حكمة قولهم من السماء هي مقابلتهم مجيء الأمطار من الجهة التي ذكر صلى الله عليه وسلم) أنه يأتيه الوحي من جهتها أي إنك تذكر أنه يأتيك الوحي من السماء فأتنا بعذاب من الجهة التي يأتيك منها الوحي إذ كان يحسن أن يعبر عن إرسال الحجارة عليهم من غير جهة السماء بقولهم: فأمطر علينا حجارة، وقالوا ذلك على سبيل الاستبعاد والاعتقاد أن ما أتي به ليس بحق، وقيل على سبيل الحسد والعناد مع علمهم أنه حق واستبعد هذا الثاني ابن فورك قال: ولا يقول هذا على وجه العناد عاقل انتهى، وكأنه لم يقرأ وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم وقصة أمية بن أبي الصلت
(٤٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 477 478 479 480 481 482 483 484 485 486 487 ... » »»