تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٨٠
وإنما تعمل اذكر في إذ لو قدرناها مفعوله انتهى، وهو تخريج حسن. وقال الحوفي إذ أنتم ظرف العامل فيه اذكروا انتهى، وهذا لا يتأتى أصلا لأن اذكر للمستقبل فلا يكون ظرفه إلا مستقبلا وإذ ظرف ماض يستحيل أن يقع فيه المستقبل ولعلكم تشكرون متعلق بقوله فآواكم وما بعده أي فعل هذا الإحسان لإرادة الشكر.
* (تشكرون يأيها الذين ءامنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون) * قال ابن عباس والأكثرون: نزلت في أبي لبابة حين استنصحته قريظة لما أتى الرسول صلى الله عليه وسلم) أن يسيرهم إلى أذرعات وأريحا كفعله ببني النصير فأشار أبو لبابة إلى حلقه أي ليس عند الرسول إلا الذبح فكانت هذه خيانته في قصة طويلة، وقال جابر في رجل من المنافقين كتب إلى أبي سفيان بشيء من إخبار الرسول صلى الله عليه وسلم)، وقال المغيرة بن شعبة في قتل عثمان. قال ابن عطية ويشبه أن يتمثل بالآية في قتله فقد كان قتله خيانة لله ورسوله والأمانات انتهى، وقيل في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يعلمهم بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم) إليها، وقيل في قوم كانوا يسمعون الحديث من الرسول فيفشونه حتى يبلغ المشركين وخيانتهم الله في عدم امتثال أوامره وفعل ما نهي عنه في سر وخيانة الرسول فيما استحفظ وخيانة الأمانات إسقاطها وعدم الاعتبار بها، وقيل وتخونوا ذوي أماناتكم وأنتم تعلمون جملة حالية أي وأنتم تعلمون تبعة ذلك ووباله فكان ذلك أبعد لكم من الوقوع في الخيانة لأن العالم بما يترتب على الذنب يكون أبعد الناس عنه، وقيل وأنتم تعلمون أن الخيانة توجد منكم عن تعمد لا عن سهو، وقيل وأنتم عالمون تعلمون قبح القبيح وحسن الحسن وجوزوا في وتخونوا أن يكون مجزوما عطفا على لا تخونوا ومنصوبا على جواب النهي وكونه مجزوما هو الراجح لأن النصب يقتضي النهي عن الجمع والجزم يقتضي النهي عن كل واحد، وقرأ مجاهد أمانتكم على التوحيد وروى ذلك عن أبي عمرو.
* (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم) * أي سبب الوقوع في الفتنة وهي الإثم أو العذاب أو محنة واختبار لكم وكيف تحافظون على حدوده فيها ففي كون الأجر العظيم عنده إشارة إلى أن لا يفتن المرء بماله وولده فيؤثر محبته لهما على ما عند الله فيجمع المال ويحب الولد حتى يؤثر ذلك كما فعل أبو لبابة لأجل كون ماله وولده كانوا عند بني قريظة.
* (عظيم ياأيها الذين ءامنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) * فرقانا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك والسدي وابن قتيبة ومالك فيما روي عن ابن وهب وابن القاسم وأشهب مخرجا، وقرأ مالك ومن يتق الله يجعل له مخرجا والمعنى مخرجا في الدين من الضلال، وقال مزرد بن ضرار:
* بادر الأفق أن يغيب فلما * أظلم الليل لم يجد فرقانا * وقال الآخر:
* مالك من طول الأسى فرقان * بعد قطين رحلوا وباتوا * وقال الآخر
(٤٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 475 476 477 478 479 480 481 482 483 484 485 ... » »»