تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٢٢
بإيمان فيقدر هذا فأتبعه الشيطان خطواته أي جعله الشيطان يتبع خطواته فتكون الهمزة فيه للتعدي إذ أصله تبع هو خطوات الشيطان، وقرأ طلحة بخلاف والحسن فيما روى عنه هارون فاتبعه مشددا بمعنى تبعه، قال صاحب كتاب اللوامح: بينهما فرق وهو أن تبعه إذا مشى في أثره واتبعه إذا واراه مشيا فأما فأتبعه بقطع الهمزة فمما يتعدى إلى مفعولين لأنه منقول من تبعه وقد حذف في العامة أحد المفعولين، وقيل فأتبعه بمعنى استتبعه أي جعله له تابعا فصار له مطيعا سامعا، وقيل معناه: تبعه شياطين الإنس أهل الكفر والضلال، فكان من الغاوين يحتمل أن تكون كان باقية الدلالة على مضمون الجملة واقعا في الزمان الماضي ويحتمل أن تكون كان بمعنى صار أي صار من الضالين الكافرين، قال مقاتل: من الضالين، وقال الزجاج: من الهالكين الفاسدين.
* (ولو شئنا لرفعناه بها ولاكنه أخلد إلى الارض واتبع هواه) *. أي ولو أردنا أن نشرفه ونرفع قدره بما آتيناه من الآيات لفعلنا ولكنه أخلد إلى الأرض أي ترامى إلى شهوات الدنيا ورغب فيها واتبع ما هو ناشىء عن الهوى وجاء الاستدراك هنا تنبيها على السبب الذي لأجله لم يرفع ولم يشرف كما فعل بغيره ممن أوتي الهدى فآثره وأتبعه وأخلد معناه رمى بنفسه إلى الأرض أي إلى ما فيها من الملاذ والشهوات قال معناه ابن عباس ومجاهد والسدي، ويحتمل أن يريد بقوله أخلد إلى الأرض أي مال إلى السفاهة والرذالة كما يقال: فلان في الحضيض عبارة عن انحطاط قدره بانسلاخه من الآيات قال معناه الكرماني. قال أبو روق: غلب على عقله هواه فاختار دنياه على آخرته، وقال قوم: معناه لرفعناه بها لأخذناه كما تقول رفع الظالم إذا هلك والضمير في بها عائد على المعصية في الانسلاخ وابتدىء وصف حاله بقوله ولكنه أخلد، وقال ابن أبي نجيح لرفعناه لتوفيناه قبل أن يقع في المعصية ورفعناه عنها والضمير للآيات ثم ابتدىء وصف حاله والتفسير الأول أظهر وهو مروي عن ابن عباس وجماعة ولم يذكر الزمخشري غيره وهو الذي يقتضيه الاستدراك لأنه على قول الإهلاك بالمعصية أو التوفي قبل الوقوع فيها لا يصح معنى الاستدراك والضمير في لرفعناه في هذه الأقوال عائد على الذي أوتي الآيات وإن اختلفوا في الضمير في بها على ما يعود وقال قوم الضمير في لرفعناه على الكفر المفهوم مما سبق وفي بها عائد على الآيات أي ولو شئنا لرفعنا الكفر بالآيات وهذا المعنى روي عن مجاهد وفيه بعد وتكلف، قال الزمخشري: (فإن قلت): كيف علق رفعه بمشيئة الله تعالى ولم يعلق بفعله الذي يستحق به الرفع، (قلت): المعنى ولو لزم العمل بالآيات ولم ينسلخ منها لرفعناه بها وذلك أن مشيئة الله تعالى رفعه تابعة للزومه الآيات فذكر المشيئة والمراد ما هي تابعة له ومسببة عنه كأنه قيل ولو لزمها لرفعناه بها ألا ترى إلى قوله ولكنه أخلد إلى الأرض فاستدرك المشيئة بإخلاده الذي هو فعله فوجب أن يكون ولو شئنا في معنى ما هو فعله ولو كان الكلام على ظاهره لوجب أن يقال: ولو شئنا لرفعناه ولكنا لم نشأ انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
* (فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) * أي فصفته إن تحمل عليه الحكمة لم يحملها وإن تركته لم يحملها كصفة الكلب إن كان مطرودا لهث وإن كان رابضا لهث قاله ابن عباس، وقيل: شبه المتهالك على الدنيا في قلقه واضطرابه على تحصيلها ولزومه ذلك بالكلب في حالته هذه التي هي ملازمة له حالة تهييجه وتركه وهي كونه لا يزال لا هنا وهي أخس أحواله وأرذلها كما أن المتهالك على الدنيا لا يزال تعبا قلقا في تحصيلها قال الحسن هو مثل المنافق لا ينيب إلى الحق دعي أو لم يدع أعطي أو لم يعط كالكلب يلهث طردا وتركا انتهى، وفي كتاب الحيوان دلت الآية على أن الكلب أخس الحيوان وأذله لضرب الخسة في المثل به في أخس أحواله ولو كان في جنس الحيوان ما هو أخس من الكلب ما ضرب المثل إلا به، قال ابن عطية: وقال الجمهور إنما شبه في أنه كان ضالا قبل أن يؤتى الآيات
(٤٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 417 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 ... » »»