مع علمهم أنه النبي الموعود وأنهم من جملة الكثير الذين لا يكاد الإيمان يتأتى منهم كأنهم خلقوا للنار انتهى، وهو تكثير في الشرح.
* (أولئك كالانعام) * أي في عدم الفقه في العواقب والنظر للاعتبار والسماع للتفكر ولا يهتمون بغير الأكل والشرب.
* (بل هم أضل) * قال الزمخشري: * (بل هم أضل) * سبيلا من الأنعام عن الفقه والاعتبار والتدبر، وقيل الأنعام تبصر منافعها من مضارها فتلزم بعض ما تبصره وهؤلاء أكثرهم يعلم أنه معاند فيقدم على النار، وقال ابن عطية: حكم عليهم بأنهم أضل لأن الأنعام ركب في بنيتها وخلقتها أن لا تفكر في شيء وهؤلاء هم معدون للفهم وقد خلقت لهم قوى يصرفونها وأعطوا طرفا من النظر فهم يغفلتهم وإعراضهم يلحقون أنفسهم بالأنعام فهم أضل على هذا انتهى، وقيل * (هم أضل) * لأنهم يعصون والأنعام لا تعصي، وقيل الأنعام تعرف ربها وتسبح له والكفار لا يعرفونه ولا يدعونه وروي: كل شيء أطوع لله من ابن آدم، وقال أبو عبد الله الرازي: الإنسان وسائر الحيوان يشاركه في قوى الطبيعة الغاذية والنامية والمولدة وفي منافع الحواس الخمس الظاهرة والباطنة وفي أحوال التخيل والتفكر والتذكر وإنما يحصل الامتياز بين الإنسان وغيره بالقوة العقلية والفكرية التي تهديه إلى معرفة الحق لذاته والخير لأجل العمل به فلما أعرض الكفار من أغراض أحوال العقل والفكر ومعرفة الحق والعمل بالخير كانوا كالأنعام، ثم قال: * (بل هم أضل) * لأن الحيوانات لا قدرة لها على تحصيل الفضائل والإنسان أعطي القدرة على تحصيلها ومن أعرض عن اكتساب الفضئل العظيمة مع القدرة على تحصيلها كان أحسن حالا ممن لم يكتسبها مع العجز فلهذا قال: * (بل هم أضل) * انتهى.
وقيل: الأنعام تفر إلى أربابها ومن يقوم بمصالحها والكافر يهرب عن ربه الذي أنعمه عليه لا تحصي، وقيل: الأنعام تضل إذا لم يكن معها مرشد وقلما تضل إذا كان معها وهؤلاء قد جاءتهم الرسل وأنزلت عليهم الكتب وهم يزدادون في الضلال انتهى، وأقول هذا الإضراب ليس على جهة الإبطال للخبر السابق من تشبيههم بالأنعام ولا يجوز أن تكون جهة المبالغة في الضلال هي جهة التشبيه لأنه يؤدي إلى كذب أحد الخبرين وذلك مستحيل في حق الله تعالى وكلام من تقدم من المفسرين يدل على أنه تعالى شبههم بالأنعام فيما ذكر وأنهم أضل من الأنعام فيما وقع التشبيه فيه وهو لا يجوز لما ذكرناه فالمعول عليه أن جهة التشبيه مخالفة لجهة المبالغة في الضلال وأن هذا الإضراب ليس على سبيل الإبطال بمدلول الجملة السابقة * (بل هم أضل) * إضراب دال على الانتقال من إخبار إلى إخبار فالجملة الأولى شبههم بالأنعام في انتفاء منافع الإدراكات المؤدية إلى امتثال ما جاءت به الرسل والجملة الثانية أثبتت لهم المبالغة في ضلال طريقهم التي يسلكونها فالموصوف بالمبالغة في الضلال طريقهم وحذف التمييز وتقديره: * (بل هم أضل) * طريقا منهم ويبين هذا قوله تعالى: * (أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالانعام) * أي في انتفاء السمع للتدبر والعقل * (بل هم أضل سبيلا) * أي بل سبيلهم أضل فالمحكوم عليه أولا غير المحكوم عليه آجرا والمحكوم به أيضا مختلف.
* (أولئك هم الغافلون) * هذه الجملة بين تعالى بها سبب كونهم أضل من الأنعام وهو الغفلة. وقال عطاء: عن ما أعد الله لأوليائه من الثواب ولأعدائه من العقاب.
* (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون فى أسمئه سيجزون ما كانوا يعملون) * قال مقاتل: دعا رجل الله تعالى في صلاته ومرة دعا الرحمن، فقال أبو جهل: أليس يزعم محمد وأصحابه أنهم يعبدون ربا واحدا فما بال هذا يدعو اثنين فنزلت، ومناسبتها لما قبلها أنه تعالى لما ذكر أنه ذرأ كثيرا من الجن والإنس للنار ذكر نوعا منهم وهم * (الذين يلحدون فى أسمئه) * وهم أشد الكفار عتبا أبو جهل وأضرابه وأيضا لما نبه على أن دخولهم جهنم هو للغفلة عن ذكر الله والمخلص من العذاب هو ذكر الله أمر بذكر الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا والقلب إذا غفل عن ذكر الله وأقبل على الدنيا وشهواتها وقع في