بظلة مخصوصة لأنه إذا كان كل ما أظل يسمى ظلة فالجبل فوقهم صار ظلة وإذا صار ظلة فكيف يشبه بظلة فالمعنى والله أعلم كأنه حالة ارتفاعه عليهم ظلة من الغمام وهي الظلة التي ليست تحتها عمد بل إمساكها بالقدرة الإلهية وإن كانت أجراما بخلاف الظلة الأرضية فإنها لا تكون إلا على عمد فلما دانت هذه الظلمة الأرضية فوقهم بلا عمد شبهت بظلة الغمام التي ليست بلا عمد، وقيل: اعتاد البشر هذه الأجرام الأرضية ظللا إذ كانت على عمد فلما كان الجبل مرتفعا على غير عمد قيل: كأنه ظله أي كأنه على عمد وقرئ طلة بالطاء من أطل عليه إذ أشرف وظنوا هنا باقية على بابها من ترجيح أحد الجائزين، وقال المفسرون: معناه أيقنوا، وقال الزمخشري: علموا وليس كذلك بل هو غلبة ظن مع بقاء الرجاء إلا أن قيد ذلك بقيد أن لا يعقلوا التوراة، فإنه يكون بمعنى الإتقان، وتقدم ذكر سبب رفع الجبل فوقهم في تفسير قوله ورفعنا فوقكم الطور في البقرة فأغنى عن إعادته وقد كرره المفسرون هنا الزمخشري وابن عطية وغيرهما وذكر الزمخشري: هنا عند ذكر السبب أنه لما نشر موسى عليه السلام الألواح وفيها كتاب الله تعالى لم يبق شجر ولا جبل ولا حجر إلا اهتز فلذلك لا ترى يهوديا يقرأ التوراة إلا اهتز وأنغض لها رأسه انتهى، وقد سرت هذه النزعة إلى أولاد المسلمين فيما رأيت بديار مصر تراهم في المكتب إذا قرأوا القرآن يهتزون ويحركون رؤوسهم وأما في بلادنا بالأندلس والغرب فلو تحرك صغير عند قراءة القرآن أدبه مؤدب المكتب وقال له لا تتحرك فتشبه اليهود في الدراسة.
* (خذوا ما ءاتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون) *. قرأ الأعمش واذكروا بالتشديد من الإذكار، وقرأ ابن مسعود وتذكروا وقرئ وتذكروا بالتشديد بمعنى وتذكروا وتقدم تفسير هذه الجمل في البقرة.
* (وإذ أخذ ربك من بنىءادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى) * روي في الحديث من طرق أخذ من ظهر آدم ذريته وأخذ عليهم العهد بأنه ربهم وأن لا إله غيره فأقروا بذلك والتزموه واختلفوا في كيفية الإخراج وهيئة المخرج والمكان والزمان وتقرير هذه الأشياء محلها ذلك الحديث والكلام عليه وظاهر هذه الآية ينافي ظاهر ذلك الحديث ولا تلتئم ألفاظه مع لفظ الآية وقد رام الجمع بين الآية والحديث جماعة بما هو متكلف في التأويل وأحسن ما تكلم به على هذه الآية ما فسره به الزمخشري قال من باب التمثيل والتخييل ومعنى ذلك أنه تعالى نصب لهم الأدلة على ربوبيته وواحدانيته وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها فيهم وجعلها مميزة بين الضلالة والهدى فكأنه سبحانه أشهدهم على أنفسهم وقررهم وقال ألست بربكم وكأنهم قالوا بلى أنت ربنا شهدنا على أنفسنا وأقررنا لوحدانيتك وباب التمثيل واسع في كلام الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم)، وفي كلام العرب ونظيره قول الله عز وجل * (إنما قولنا لشىء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) *. * (فقال لها وللارض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) *. وقول الشاعر:
* إذا قالت الأنساع للبطن الحقي * تقول له ريح الصبا قرقار * ومعلوم أنه لا قول ثم وإنما هو تمثيل وتصوير للمعنى وأن تقولوا مفعول له أي فعلنا ذلك من نصب الأدلة الشاهدة على صحتها العقول كراهة أن تقولوا يوم القيامة وتقديره إنا كنا عن هذا غافلين لم ننبه عليه أو كراهة