في قراءة من نصب انتهى، وحذف ما الموصولة لا يجوز عند البصريين ومع الإضافة لا يصح تقدير ما البتة وليس قوله * (هاذا فراق بينى وبينك) * نظيره * (لقد تقطع بينكم) * لأن ذلك مضاف إليه وهذا باق على طريقته فيمكن أن يتخيل فيه تقدير ما لأن الإضافة إليه أخرجته عن الظرفية وصيرته مفعولا به على السعة وأما تخريج قراءة السلمي والحسن * (شهادة) * بالنصب والتنوين ونصب * (بينكم) * فقدره الزمخشري ليقم شهادة اثنان فجعل * (شهادة) * مفعولا بإضمار هذا الأمر و * (اثنان) * مرتفع بليقم على الفاعلية وهذا الذي قدره الزمخشري هو تقدير ابن جني بعينه، قال ابن جني التقدير ليقم شهادة بينكم اثنان انتهى، وهذا الذي ذكره ابن جني مخالف لما قاله أصحابنا قالوا لا يجوز حذف الفعل وإبقاء فاعله إلا أن أشعر بالفعل ما قبله كقوله تعالى: ب * (سبح * له فيها بالغدو والاصال) * على قراءة من فتح الباء فقرأه مبنيا للمفعول وذكروا في اقتياس هذا خلافا أي يسبحه رجال فدل يسبح على يسبحه أو أجيب به نفي كان يقال لك ما قام أحد عندك فتقول بلى زيد أي قام زيد أو أجيب به استفهام كقول الشاعر:
* ألا هل أتى أم الحويرث مرسلا * بل خالدان لم تعقه العوائق * التقدير أتى خالد أو يأتيها خالد وليس حذف الفعل الذي قدره ابن جني وتبعه الزمخشري واحدا من هذه الأقسام الثلاثة والذي عندي أن هذه القراءة الشاذة تخرج على وجهين: أحدهما أن يكون شهادة منصوبة على المصدر الذي ناب مناب الفعل بمعنى الأمر واثنان مرتفع به والتقدير ليشهد بينكم اثنان فيكون من باب قولك: ضربا زيدا إلا أن الفاعل في ضربا مسند إلى ضمير المخاطب لأن معناه اضرب وهذا مسند إلى الظاهر لأن معناه ليشهد، والوجه الثاني أن يكون أيضا مصدرا ليس بمعنى الأمر بل يكون خبرا ناب مناب الفعل في الخبر، وإن كان ذلك قليلا كقولك افعل وكرامة ومسرة أي وأكرمك وأسرك فكرامة ومسرة بدلان من اللفظ بالفعل في الخبر وكما هو الأحسن في قول امرئ القيس:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم فارتفاع صحبي وانتصاب مطيهم بقوله وقوفا لأنه بدل من اللفظ بالفعل في الخبر التقدير وقف صحبي على مطيهم والتقدير في الآية يشهد إذا حضر أحدكم الموت اثنان، والشهادة هنا هل هي التي تقام بها الحقوق عند الحكام أو الحضور أو اليمين ثلاثة أقوال آخرها للطبري والقفال كقوله: * (فشهادة أحدهم أربع شهادات) *، وقيل تأتي الشهادة بمعنى الإقرار نحو قوله: * (والملئكة يشهدون) * وبمعنى العلم نحو قوله: * (شهد الله أنه لا إلاه إلا هو) * وبمعنى الوصية وخرجت هذه الآية عليه فيكون فيها أربعة أقوال.
* (ذوا عدل منكم أو ءاخران من غيركم) * * (ذوا عدل) * صفة لقوله * (اثنان) * و * (منكم) * صفة أخرى و * (من غيركم) * صفة لآخران، قال الزمخشري * (منكم) * من أقاربكم و * (من غيركم) * من الأجانب * (إن أنتم ضربتم فى الارض) * يعني أن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصية وجعل الأقارب أولى لأنهم أعلم بأحوال الميت وبما هو أصلح وهم له أنصح،