وقيل * (منكم) * من المسلمين وإنما جازت في أول الإسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر، وعن مكحول نسخها قوله: * (وأشهدوا * ذوى * عدل منكم) * انتهى. وما اختاره الزمخشري وبدأ به أولا هو قول ابن عباس وعكرمة والحسن والزهري قالوا أمر الله بإشهاد عدلين من القرابة إذ هم أحق بحال الوصية وأدرى بصورة العدل فيها فإن كان الأمر في سفر ولم تحضر قرابة أسندها إلى غيرهما من المسلمين الأجانب وهذا القول مخالف لما ذكره الزمخشري وغيره من المفسرين حتى ابن عطية قال لا نعلم خلافا أن سبب هذه الآية أن تميما الداري وعدي بن زياد كانا نصرانيين وساقا الحديث المذكور أولا فهذا القول مخالف لسبب النزول وأما القول الثاني الذي حكاه الزمخشري هو مذهب أبي موسى وابن المسيب ويحيى بن يعمر وابن جبير وأبي مجلز وإبراهيم وشريح وعبيدة السلماني وابن سيرين ومجاهد وقتادة والسدي، وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال الثوري ومال إليه أبو عبيد واختاره أحمد قالوا: معنى قوله: * (منكم) * من المؤمنين ومعنى * (من غيركم) * من الكفار، قال بعضهم وذلك أن الآية نزلت ولا يؤمن إلا بالمدينة وكانوا يسافرون بالتجارة صحبة أهل الكتاب وعبدة الأوثان وأنواع الكفار ومذهب أبي موسى وشريح وغيرهما أن الآية محكمة، قال أحمد: شهادة أهل الذمة جائزة على المسلمين في السفر عند عدم المسلمين ورجح أبو عبد الله الرازي هذا القول قال: قوله: * (ذلك بأن الذين كفروا) * خطاب لجميع المؤمنين فلما قال: * (يأيها الذين ءامنوا شهادة) * كان من غير المؤمنين لا محالة وبأنه لو كان الآخران مسلمين لم يكن جواز الاستشهاد بهما مشروطا بالسفر لأن المسلم جائز استشهاده في الحضر والسفر وبأنه دلت الآية على وجوب الحلف من بعد الصلاة وأجمع المسلمون على أن الشاهد لا يجب تحليفه فعلمنا أنهما ليسا من المسلمين وبسبب النزول وهو شهادة النصرانيين على بديل وكان مسلما وبأن أبا موسى قضى بشهادة يهوديين بعد أن حلفهما وما أنكر عليه أحد من الصحابة فكان ذلك إجماعا وباتفاق أكثر الأمة على أن سورة المائدة من آخر ما نزل وليس فيها منسوخ، وقال أبو جعفر النحاس ناصرا للقول الأول: هذا ينبني على معنى غامض في العربية وذلك أن معنى آخر في العربية من جنس الأول تقول مررت بكريم وكريم آخر فقوله آخر يدل على أنه من جنس الأول ولا يجوز عند أهل العربية مررت بكريم وخسيس آخر ولا مررت برجل وحمار آخر فوجب من هذا أن يكون معنى قوله أو آخران من غيركم أي عدلان والكفار لا يكونون عدولا انتهى، وما ذكره في المثل صحيح إلا أن الذي في الآية مخالف للمثل التي ذكرها النحاس في التركيب لأنه مثل بآخر وجعله صفة لغير جنس الأول. وأما الآية فمن قبيل ما تقدم فيه آخر على الوصف واندرح آخر في الجنس الذي قبله ولا يعتبر جنس وصف الأول تقول: جاءني رجل مسلم وآخر كافر ومررت برجل قائم وآخر قاعد واشتريت فرسا سابقا وآخر مبطئا فلو أخرت آخر في هذه المثل لم تجز المسألة لو قلت: جاءني رجل مسلم وكافر آخر ومررت برجل قائم وقاعد آخر واشتريت فرسا سابقا ومبطئا آخر لم يجز وليست الآية من هذا القبيل إلا أن التركيب فيها جاء * (اثنان ذوا عدل منكم أو ءاخران من غيركم) * فآخران من جنس قوله * (اثنان) * ولا سيما إذا قدرته رجلان اثنان فآخران هما من جنس قولك رجلان اثنان ولا يعتبر وصف قوله * (ذوا عدل منكم) * وإن كان مغايرا لقوله من غيركم كما لا يعتبر وصف الجنس في قولك عندي رجلان اثنان مسلمان
(٤٥)