تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٠
همزة الاستفهام، وقوله: كأنهم عطفوا هذه الجملة على الأولى يعني فكان التقدير قالوا: فاعتنى بالهمزة فقدمت لقوله: * (ولم * يسيروا فى الارض) * وليس كما ذكر من أنهم عطفوا هذه الجملة على الأولى على ما نبينه إن شاء الله تعالى، وقال الزمخشري والواو في قوله: * (أو * لو كان * ءاباؤهم) * واو الحال وقد دخلت عليها همزة الإنكار والتقدير أحسبهم ذلك ولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون، والمعنى أن الاقتداء إنما يصح بالعالم المهتدي وإنما يعرف اهتداؤه بالحجة. انتهى. وجعل الزمخشري الواو، في * (أو * لو) *، واو الحال وهو مغاير لقول ابن عطية أنها واو العطف لا من الجهة التي ذكرها ابن عطية واو الحال لكن يحتاج ذلك إلى تبيين، وذلك أنه قد تقدم من كلامنا أن لو التي تجيء هذا المجيء هي شرطية وتأتي لاستقصاء ما قبلها والتنبيه على حاله داخلة فيما قبلها وإن كان مما ينبغي أن لا تدخل، فقوله: (أعطوا السائل ولو جاء على فرس وردوا السائل ولو بظلف محرق واتقوا النار ولو بشق تمرة). وقول الشاعر:
* قوم إذا حاربو شدوا مآزرهم * دون النساء ولو باتت بإطهار * فالمعنى أعطوا السائل على كل حال ولو على الحالة التي تشعر بالغنى وهي مجيئه على فرس، وكذلك يقدر ما ذكرنا من المثل على ما يناسب فالواو عاطفة على حال مقدرة فمن حيث هذا العطف صح أن يقال إنها واو الحال وقد تقدم الكلام على ذلك بأشبع من هذا فالتقدير في الآية أحسبهم أتباع ما وجدوا عليه آباءهم على كل حال ولو في الحالة التي تنفي عن آبائهم العلم والهداية فإنها حالة ينبغي أن لا يتبع فيها الآباء لأن ذلك حال من غلب عليه المفرط.
* (يهتدون يأيها الذين ءامنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) * قال أبو أمية الشعباني: سألت أبا ثعلبة الخشني عن هذه الآية فقال: لقد سألت عنها خبيرا سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم) فقال: (أمروا بالمعروف وانهوا عن المنكر فإذا رأيت دنيا مؤثرة وشحا مطاعا وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بخويصة نفسك وذر عوامهم فإن وراءكم أياما أجر العامل فيها كأجر خمسين منكم). وهذا أصح ما يقال في تأويل هذه الآية لأنه عن الرسول وعليه الصحابة بلغ أبا بكر الصديق أن بعض الناس تأول الآية على أنه لا يلزم الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، فصعد المنبر وقال: أيها الناس لا تغتروا بقول الله: عليكم أنفسكم فيقول أحدكم: علي نفسي فوالله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن عليكم شراركم وليسوا منكم سوء العذاب، وعن عمر أن رجلا قال له: إني لأعمل بأعمال البر كلها إلا في خصلتين قال: وما هما قال لا آمر ولا أنهى
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»