تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٩
إثبات معنى لم يثبت في لسان العرب فيحتمل أن يكون المفعول الثاني محذوفا، أي ما صير الله بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حاميا مشروعة بل هي من شرع غير الله، * (والانعام خلقها لكم) * خلقها الله تعالى رفقا لعباده ونعمة عددها عليهم ومنفعة بالغة وأهل الجاهلية قطعوا طريق الانتفاع بها وإذهاب نعمة الله بها، قال ابن عطية وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا تجوز الأحباس والأوقاف وقاسوا على البحيرة والسائبة والفرق بين ولو عمد رجل إلى ضيعة له فقال هذه تكون حبسا لا تجتنى ثمرتها ولا تزرع أرضها ولا ينتفع منها بنفع لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة والسائبة، وأما الحبس المتعين طريقة واستمرار الانتفاع به فليس من هذا، وحسبك بأن النبي صلى الله عليه وسلم) قال لعمر بن الخطاب في مال له: (اجعله حبسا لا يباع أصله وحبس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم) انتهى.
* (ولاكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) * قال الزمخشري بتحريم ما حرموا.
* (وأكثرهم لا يعقلون) * فلا ينسبوا التحريم حتى يفتروا ولكنهم يقلدون في تحريمها كبارهم انتهى. نص الشعبي وغيره أن المفترين هم المبتدعون وأن الذين لا يعقلون هم الأتباع، وقال ابن عباس * (الذين كفروا) * يريد عمرو بن لحي وأصحابه، وقيل في * (لا يعقلون) * أي الحلال من الحرام، وقال قتادة: * (لا يعقلون) * أن هذا التحريم من الشيطان لا من الله، وقال محمد بن موسى: * (الذين كفروا) * هنا هم أهل الكتاب والذين * (لا يعقلون) * هم أهل الأوثان، قال ابن عطية وهذا تفسير من انتزاع آخر الآية عما تقدمها وارتبط بها من المعنى وعما أخبر أيضا من قوله * (وإذا قيل لهم) * انتهى. وقال مكي ذكر أهل الكتاب هنا لا معنى له إذ ليس في هذا صنع ولا شبه وإنما ذكر ذلك عن مشركي العرب فهم الذين عنوا بذلك.
* (وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءاباءنا أولو * لو كان * لا يعلمون شيئا ولا يهتدون * يأيها) *.
تقدم تفسير مثل هذه الآية في سورة البقرة وهنا * (تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه ءاباءنا) * وهناك * (اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه ءاباءنا) * وهنا * (لا يعلمون شيئا) * وهناك * (لا يعقلون شيئا) * والمعنى في هذا التغاير لا يكاد يختلف ومعنى * (إلى ما أنزل الله) * أي من القرآن الذي فيه التحريم الصحيح ومعنى حسبنا: كافينا وقول ابن عطية: معنى * (حسبنا) * كفانا ليس شرحا بالمرادف إذ شرح الاسم بالفعل، وقال ابن عطية في * (أو * لو) * ألف التوقيف دخلت على واو العطف كأنهم عطفوا هذه الجملة على الأولى والتزموا شنيع القول وإنما التوقيف توبيخ لهم كأنهم يقولون بعده: نعم، ولو كان كذلك انتهى. وقوله في الهمزة ألف التوقيف عبارة لم أقف عليها من كلام النحاة يقولون همزة الإنكار همزة التوبيخ وأصلها
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»