تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٤٨
واتهمتموهما فحلفوهما، وقيل إن أريد بهما الشاهدان، فقد نسخ تحليف الشاهدين وإن أريد الوصيان فليس بمنسوخ تحليفهما وعن علي أنه كان يحلف الشاهد والراوي إذا اتهمها، والضمير في * (به) * عائد على الله أو على القسم أو على تحريف الشهادة، أقوال ثالثها لأبي علي، وقوله: * (نشترى به ثمنا) * كناية عن الاستبدال عرضا من الدنيا وهو على حذف مضاف أي ذا ثمن لأن الثمن لا يشتري ولا يصح أن يكون * (لا نشترى) * لا نبيع هنا وإن كان ذلك في اللغة. قال الزمخشري أن لا تحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان من نقسم لأجله قريبا منا وذلك على عادتهم في صدقهم وأمانتهم أبدا فإنهم داخلون تحت قوله: * (كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والاقربين) * وإنما قال فإنهم داخلون إلى آخره لأن الاثنين والآخرين عنده مؤمنون فاندرجوا في قوله: * (بصيرا ياأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين) * الآية. قال ابن عطية وخص ذا القربى بالذكر لأن العرف ميل النفس إلى أقربائهم واستسهالهم في جنب نفعهم ما لا يستسهل والجملة من قوله: * (ولا نكتم شهادة الله) * معطوفة على قوله: * (لا نشترى به ثمنا) * فيكون من جملة المقسم عليه وأضاف الشهادة إلى الله لأنه تعالى هو الآمر بإقامتها الناهي عن كتمانها ويحتمل أن يكون * (ولا نكتم) * خبرا منهما أخبرا عن أنفسهما أنهما لا يكتمان شهادة الله ولا يكون داخلا تحت المقسم عليه. وقرأ الحسن والشعبي * (ولا نكتم) * بجزم الميم نهيا أنفسهما عن كتمان الشهادة ودخول لا الناهية على المتكلم قليل نحو قوله:
* إذا ما خرجنا من دمشق فلا نعد * بها أبدا ما دام فيها الجراضم * وقرأ علي ونعيم بن ميسرة والشعبي بخلاف عنه * (شهادة الله) * بنصبهما وتنوين * (شهادة) * وانتصبا بنكتم التقدير ولا نكتم الله شهادة، قال الزهراوي ويحتمل أن يكون المعنى ولا نكتم شهادة والله ثم حذف الواو ونصب الفعل إيجازا. وروي عن علي والسلمي والحسن البصري شهادة بالتنوين آلله بالمد في همزة الاستفهام التي هي عوض من حرف القسم دخلت تقريرا وتوقيفا لنفوس المقسمين أو لمن خاطبوه، وروي عن الشعبي وغيره أنه كان يقف على شهادة بالهاء الساكنة الله بقطع ألف الوصل دون مد الاستفهام. قال ابن جني الوقف على شهادة بسكون الهاء واستئناف القسم حسن لأن استئنافه في أول الكلام أوقر له وأشد هيبة من أن يدخل في عرض القول. وروي عن يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش * (شهادة) * بالتنوين * (الله) * بقطع الألف دون مد وخفض هاء الجلالة ورويت هذه عن الشعبي. وقرأ الأعمش وابن محيصن لملائمين بإدغام نون من في لام الآثمين بعد حذف الهمزة ونقل حركتها إلى اللام.
* (فإن عثر على أنهما استحقا إثما) * أي فإن عثر بعد حلفهما على أنهما استحقا إثما أي ذنبا بحنثهما في اليمين بأنها ليست مطابقة للواقع * (* وعثر) * استعارة لما يوقع على علمه بعد خفائه وبعد إن لم يرح ولم يقصد كما تقول على الخبير سقطت ووقعت على كذا. قال أبو علي: الإثم هنا هو الشيء المأخوذ لأن أخذه إثم قسمي إثما كما يسمى ما أخذ بغير الحق مظلمة، قال سيبويه المظلمة اسم ما أخذ منك ولذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر انتهى. والظاهر أن الإثم هنا ليس
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»