تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٧٧
وقيل: هم الكنعانيون الذين أمر موسى بقتالهم ومعنى * (فاتوا) * فمروا يقال أتت عليه سنون، ومعنى * (يعكفون) * يقيمون ويواظبون على عبادة أصنام، وقرأ الأخوان وأبو عمر وفي رواية عبد الوارث بكسر الكاف وباقي السبعة بضمها وهما فصيحتان والأصنام قيل: بقر حقيقة. وقال ابن جريج كانت تماثيل بقر من حجارة وعيدان ونحوه وذلك كان أول فتنة العجل. * (قالوا يأبانا * موسى * اجعل لنا إلاها كما لهم ءالهة) * الظاهر أن طلب مثل هذا كفر وارتداد وعناد جروا في ذلك على عادتهم في تعنتهم على أنبيائهم وطلبهم ما لا ينبغي وقد تقدم من كلامهم * (لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة) * وغير ذلك مما هو كفر، وقال ابن عطية: الظاهر أنهم استحسنوا ما رأوا من آلهة أولئك القوم فأرادوا أن يكون ذلك في شرع موسى وفي جملة ما يتقرب به إلى الله تعالى وإلا فبعيد أن يقولوا لموسى * (اجعل لنا إلاها) * نفرده بالعبادة انتهى وفي الحديث مروا في غزوة حنين على روح سدرة خضراء عظيمة فقيل يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط وكانت ذات أنواط سرحة لبعض المشركين يعلقون بها أسحلتهم ولها يوم يجتمعون إليها فأراد قائل ذلك أن يشرع الرسول ذلك في الإسلام ورأى الرسول عليه السلام ذلك ذريعة إلى عبادة تلك السرحة فأنكره وقال * (الله أكبر * قلتم * والله * كما قال * بنى إسراءيل) * * (اجعل لنا إلاها) * خالقا مدبرا لأن الذي يجعله موسى لا يمكن أن يجعله خالقا للعالم ومدبرا فالأقرب أنهم طلبوا أن يعين لهم تماثيل وصورا يتقربون بعبادتها إلى الله تعالى وقد حكى عن عبادة الأوثان قولهم * (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى) * وأجمع كل الأنبياء عليهم السلام على أن عبادة غير الله كفر سواء اعتقد كونه إلها للعالم أو أن عبادته تقرب إلى الله انتهى، ويظهر أن ذلك لم يصدر من جميعهم فإنه كان فيهم السبعون المختارون ومن لا يصدر منه هذا السؤال الباطل لكنه نسب ذلك إلى بني إسرائيل لما وقع من بعضهم على عادة العرب في ذلك وما في * (كما) * قال الزمخشري كافة للكاف ولذلك وقعت الجملة بعدها وقال غيره موصولة حرفية أي كما ثبت لهم آلهة فتكون قد حذف صلتها على حد ما قال ابن مالك في أنه إذا حذفت صلة ما فلا بد من إبقاء معمولها كقولهم لا أكلمك ما إن في السماء نجما أي ما ثبت أن في السماء نجما ويكون * (ءالهة) * فاعلا يثبت المحذوفة، وقيل: موصولة اسمية ولهم صلتها والضمير عائد عليها مستكن في المجرور والتقدير كالذي لهم وآلهة بدل من ذلك الضمير المستكن. * (قال إنكم قوم تجهلون) * تعجب موسى عليه السلام من قولهم على أثر ما رأوا من الآيات العظيمة والمعجزات الباهرة ووصفهم بالجهل المطلق وأكده بأن لأنه لا جهل أعظم من هذه المقالة ولا أشنع وأتى بلفظ * (تجهلون) * ولم يقل جهلتم إشعارا بأن ذلك منهم كالطبع والغريزة لا ينتقلون عنه في ماض ولا مستقبل.
* (إن هؤلاء متبر ما هم فيه وباطل ما كانوا يعملون) * الإشارة بهؤلاء إلى العاكفين على عبادة الأصنام ومعنى متبر مهلك مدمر مكسر وأصله الكسر، وقال الكلبي: مبطل، وقال أبو اليسع: مضلل، وقال السدي وابن زيد: مدمر رديء سيىء العاقبة وما هم فيه يعم جميع أحوالهم وبطل عملهم هو اضمحلاله بحيث لا ينتفع به وإن كان مقصودا به التقرب إلى الله تعالى * (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا) *، قال الزمخشري: وفي إيقاع * (هؤلاء) * إسما ل (إن) وتقديم خبر المبتدأ من الجملة الواقعة خبرا لها واسم لعباده بأنهم هم المعرضون للتبار وأنه لا يعدوهم البتة وأنه لهم ضربة لازم ليحذرهم عاقبة ما طلبوا ويبغض لهم فيما أحبوا انتهى ولا يتعين ما قاله من أنه قد جزم خبر المبتدأ من الجملة
(٣٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 ... » »»