علم البيان التعريض بما يوهم الذم وهو مدح كقوله:
* ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب * ولذلك قال ابن عباس: عابوهم بما يمدح به، والظاهر أن قوله * (أنهم) * تعليل للإخراج أي لأنهم لا يوافقوننا على ما نحن عليه ومن لا يوافقنا وجب أن نخرجه، وقال الزمخشري: وقولهم * (إنهم أناس يتطهرون) * سخرية بهم وبتطهرهم من الفواحش وافتخار بما كانوا فيه من القذارة كما يقول الشيطان من الفسقة لبعض الصلحاء إذا وعظهم أبعدوا عنا هذا المتقشف وأريحونا من هذا المتزهد.
* (فأنجيناه وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين) * أي * (فأنجيناه وأهله) * من العذاب الذي حل بقومه * (وأهله) * هم المؤمنون معه أو ابنتاه على الخلاف الذي سبق واستثنى من أهله امرأته فلم تنج واسمها واهلة كانت منافقة تسر الكفر موالية لأهل سدوم ومعنى * (من الغابرين) * من الذين بقوا في ديارهم فهلكوا وعلى هذا يكون قوله * (كانت من الغابرين) * تفسيرا وتوكيدا لما تضمنه الاستثناء من كونها لم ينجها الله تعالى. وقال أبو عبيدة: * (إلا امرأته) * اكتفى به في أنها لم تنج ثم ابتدأ وصفها بعد ذلك بصفة لا تتعلق بها النجاة ولا الهلكة وهي أنها كانت ممن أسن وبقي من عصره إلى عصر غيره فكانت غابرة أي متقدمة في السن كما قال: إلا عجوزا في الغابرين إلى أن هلكت مع قومها انتهى، وجاء * (من الغابرين) * تغليبا للذكور على الإناث، وقال الزجاج: من الغائبين عن النجاة فيكون توكيدا لما تضمنه الاستثناء انتهى، و * (كانت) * بمعنى صارت أو كانت في علم الله أو باقية على ظاهرها من تقييد غبورها بالزمان الماضي أقوال.
* (وأمطرنا عليهم مطرا) * ضمن * (* أمطرنا) * معنى أرسلنا فلذلك عداه بعلى كقوله فأمطرنا عليهم حجارة من السماء والمطر هنا هي حجارة وقد ذكرت في غير آية خسف بهم وأمطرت عليهم الحجارة، وقيل: كانت المؤتفكة خمس مدائن، وقيل: ست، وقيل: أربع اقتلعها جبريل بجناحه فرفعها حتى سمع أهل السماء نهيق الحمير وصياح الديكة ثم عكسها فرد أعلاها أسفلها وأرسلها إلى الأرض، وتبعتهم الحجارة مع هذا فأهلكت من كان منهم في سفر أو خارجا عن البقاع وقالت امرأة لوط حين سمعت الرجة واقوماه والتفتت فأصابتها صخرة فقتلتها، والظاهر أن الأمطار شملهم كلهم، وقيل: خسف بأهل المدن وأمطرت الحجارة على المسافرين منهم، وسئل مجاهد هل سلم منهم أحد قال لا إلا رجلا كان بمكة تاجرا وقف الحجر له أربعين يوما حتى قضى تجارته وخرج من الحرم فأصابه فمات وكان عددهم مائة ألف.
* (مطرا فانظر كيف كان عاقبة المجرمين) * خطاب للرسول أو للسامع قصتهم كيف كان مآل من أجرم وفيه إيقاظ وازدجار أن تسلك هذه الأمة هذا المسلك و * (المجرمين) * عام في قوم نوح وهود وصالح ولوط وغيرهم وهو من نظر التفكر أو من نظر البصر فيمن بقيت له آثار منازل ومساكن كثمود وقوم لوط كما قال تعالى * (وعادا وثمود وقد تبين لكم من مساكنهم) *.
* (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال ياقوم * قوم * اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) *. قال الفراء * (مدين) * اسم بلد وقطر وأنشد:
* رهبان مدين لو زأوك تنزلوا فعلى هذا التقدير وإلى أهل مدين، وقيل: اسم قبيلة سميت باسم أبيها مدين بن إبراهيم قاله مقاتل وأبو سليمان الدمشقي، وشعيب قيل: هو ابن بنت لوط، وقيل زوج بنته وهذه مناسبة بين قصته