تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٣٤
عن أمر ربهم كأن أمر ربهم بتركها كان هو السبب في عتوهم ونحو عن هذه ما في قوله * (وما فعلته عن أمرى) *.
* (وقالوا يأيها * صالح * ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين) * أي من العذاب لأنه كان سبق منه ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم فاستعجلوا ما وعدهم به من ذلك إذ كانوا مكذبين له في الإخبار بذلك الوعيد وبغيره ولذلك علقوه بما هم به كافرون وهو كونه من المرسلين، وقرأ ورش والأعمش * (أن قالوا ائتنا) * وأبو عمرو إذا أدرج بإبدال همزة فاء * (ائتنا) * واو الضمة جاء صالح، وقرأ باقي السبعة بإسكانها وفي كتاب ابن عطية قال أبو حاتم: قرأ عيسى وعاصم أوتنا بهمز وإشباع ضم انتهى، فلعله عاصم الجحدري لا عاصم بن أبي النجود أحد قراء السبعة.
* (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) * روي أن السقب لما عقروا الناقة رغا ثلاثا فقال صالح لكل رغوة أجل يوم تمتعوا في داركم ثلاثة أيام فقالوا هازئين به متى ذلك وما آية ذلك فقال تصبحون غداة مؤنس مصفرة وجوهكم وغداة العروبة محمريها ويوم شيار مسوديها ثم يصبحكم العذاب يوم أول يوم وهو يوم الأحد فرام التسعة عاقرو الناقة قتله وبيتوه فدمغتهم الملائكة بالحجارة فقالوا له أنت قتلتهم وهموا بقتله فحمته عشيرته وقالوا: وعدكم أن العذاب نازل بكم بعد ثلاث فإن صدق لم تزيدوا ربكم عليكم إلا غضبا وإن كذب فأنتم من وراء ما تريدون فأصبحوا يوم الخميس مصفري الوجوه كأنها طليت بالخلوق فطلبوه ليقتلوه فهرب إلى بطن من ثمود يقال له بنو غنم فنزل على سيدهم أبي هدب لقيل وهو مشرك فغيبه ولم يقدروا عليه فعذبوا أصحاب صالح فقال: منهم مبدع بن هدم يا نبي الله عذبونا لندلهم عليك أفندلهم قال: نعم فدلهم عليه فأتوا أبا هدب فقال لهم: عندي صالح ولا سبيل لكم عليه فأعرضوا عنه وشغلهم ما نزل بهم فأصبحوا في الثاني محمري الوجوه كأنها خضبت بالدم وفي الثالث مسوديها كأنها طليت بالقار ولية الأحد خرج صالح ومن أسلم معه إلى أن نزل رملة فلسطين من الشام فأصبحوا متكفنين متحنطين ملقين أنفسهم بالأرض يقلبون أبصارهم لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فلما اشتد الضحى أخذتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء له صوت في الأرض فقطعت قلوبهم وهلكوا كلهم إلا امرأة مقعدة كافرة اسمها دريعة بنت سلف عندما عاينت العذاب خرجت أسرع ما يرى حتى أتت وادي القرى فأخبرت بما أصاب ثمود واستسقت فشربت وماتت، وقيل: خرج صالح ومن معه من قومه وهم أربعة آلاف إلى حضرموت فلما دخلوها مات صالح فسمي المكان حضرموت، وقيل مات بمكة ابن ثمان وخمسين سنة وأقام في قومه عشرين سنة.
قال مجاهد والسدي: * (الرجفة) * الصيحة، وقال أبو مسلم: الزلزلة الشديدة، قال الزمخشري: * (جاثمين) * هامدين لا يتحركون موتى يقال: الناس جثوم أي قعود لا حراك بهم ولا ينسبون بنسبة ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها وهي البهيمة تربط وتجمع قوائمها لترمى انتهى، وقيل: معناه حمما محترقين كالرماد الجاثم ذهب هذا القائل إلى أن الصيحة اقترن بها صواعق محرقة، قال الكرماني: حيث ذكر الرجفة وهي الزلزلة وحد الدار وحيث ذكر الصيحة جمع لأن الصيحة كانت من السماء فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة فاتصل كل واحد منهما بما هو لائق به، وقيل في دارهم أي في بلدهم كنى بالدار عن البلد، وقيل: وحد والمراد به الجنس والفاء في * (فأخذتهم) * للتعقيب فيمكن العطف بها على قولهم * (فأتنا بما تعدنا) * على تقدير قرب زمان الهلاك من زمان طلب
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»