تحصيل التقوى ولما كان ما حل بقوم نوح من أمر الطوفان واقعة لم يظهر في العالم مثلها قال * (إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * وواقعة هود كانت مسبوقة بواقعة نوح وعهد الناس قريب بها اكتفى هود بقوله * (أفلا تتقون) * والمعنى تعرفون أن قوم نوح لما لم يتقوا الله وعبدوا اغيره حل بهم ذلك العذاب الذي اشتهر خبره في الدنيا فقوله * (أفلا تتقون) * إشارة إلى التخويف بتلك الواقعة المشهورة.
* (قال الملا الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين) * أتى بوصف * (الملا) * بالذين كفروا ولم يأت بهذا الوصف في قوم نوح لأن قوم هود كان في أشرافهم من آمن به منهم مرثد بن سعد بن عفير ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن ألا ترى إلى قولهم * (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) * وقولهم * (أنؤمن لك واتبعك الارذلون) * ويحتمل أن يكون وصفا جاء للذم لم يقصد به الفرق ولنراك يحتمل أن يكون من رؤية العين ومن رؤية القلب كما تقدم القول في قصة نوح و * (في سفاهة) * أي في خفة حلم وسخافة عقل حيث تترك دين قومك إلى دين غيره وفي سفاهة يقتضي أنه فيها قد احتوت عليه كالظرف المحتوي على الشيء ولما كان كلام نوح لقومه أشد منكلام هود تقوية لقوله * (إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) * كان جوابهم أغلظ وهو * (إنا لنراك في ضلال مبين) * وكان كلام هود ألطف لقوله * (أفلا تتقون) * فكان جوابهم له ألطف من جواب قوم نوح لنوح بقولهم * (إنا لنراك في سفاهة) * ثم أتبعوا ذلك بقولهم * (وإنا لنظنك من الكاذبين) * فدل ذلك على أنه أخبرهم بما يحل بهم من العذاب إن لم يتقوا الله أو علقوا الظن بقوله * (ما لكم من إلاه غيره) * أي إن لنا آلهة فحصرها في واحد كذب. وقيل: الظن هنا بمعنى اليقين أو بمعنى ترجيح أحد الجائزين قولان للمفسرين والثاني للحسن والزجاج، وقال الكرماني: خوف نوح الكفار بالطوفان العام واشتغل بعمل السفينة فقالوا * (إنا لنراك في ضلال مبين) * حيث تتعب نفسك في إصلاح سفينة كبيرة في مفازة ليس فيها ماء ولم يظهر ما يدل على ذلك وهو رديف عبادة الأوثان ونسب قومه في السفاهة فقابلوه بمثل ذلك.
* (قال ياءادم * قوم * ليس بى سفاهة ولكنى رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربى وأنا لكم ناصح أمين) * تقدمت كيفية هذا النفي في قوله * (ليس بى ضلالة) * وهناك جاء * (وأنصح لكم) * وهنا جاء * (وأنا لكم ناصح أمين) * لما كان آخر جوابهم جملة اسمية جاء قوله كذلك فقالوا هم * (وإنا لنظنك من الكاذبين) * قال هو * (وأنا لكم ناصح أمين) * وجاء بوصف الأمانة وهي الوصف العظيم الذي حمله الإنسان ولا أمانة أعظم من أمانة الرسالة وإيصال أعبائها إلى المكلفين والمعنى أني عرفت فيكم بالنصح فلا يحق لكم أن تتهموني وبالأمانة فيما أقول فلا ينبغي أن أكذب، قال ابن عطية: وقوله * (أمين) * يحتمل أن يريد على الوحي والذكر النازل من قبل الله ويحتمل أنه أمين عليهم وعلى غيبهم وعلى إرادة الخير بهم والعرب تقول فلان لفلان ناصح الجيب أمين الغيب ويحتمل أن يريد به من الأمن أي جهتي ذات أمن لكم من الكذب والغش، قال القشيري: شتان ما بين من دفع عنه ربه بقوله * (ما ضل صاحبكم وما غوى) * و * (ما * صاحبكم بمجنون) * ومن دفع عن نفسه بقوله: * (ليس بى ضلالة) * * (ليس بى سفاهة) *، قال الزمخشري: وفي إجابة الأنبياء عليهم السلام من نسبهم إلى الضلالة والسفاهة بما أجابوهم من الكلام الصادر عن الحلم والإغضاء وترك المقابلة بما قالوا لهم مع علمهم بأن خصومهم أصل السفاهين وأسفلهم أدب حسن وخلق عظيم وحكاية الله عز وجل عنهم ذلك تعليم لعباده كيف يخاطبون السفهاء وكيف يغضون عنهم ويسبلون أذيالهم على ما يكون منهم.
* (أو عجبتم أن جاءكم * ذالك من * ربكم على رجل منكم لينذركم) * أتى هنا بعلة واحدة وهي الإنذار وهو التخويف بالعذاب واختصر ما يترتب على الإنذار من التقوى ورجاء الرحمة.
* (وذكروا * إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح) * أي سكان الأرض بعدهم قاله السدي وابن إسحاق، أو