المالية بالقهر والجبر وضمنوا ما لا يجوز ضمان أصله من الزكاة والمواريث والملاهي والمترتبون في الطرق إلى غير ذلك مما قد كثر في الوجود وعمل به في سائر البلاد وهو من أعظم الذنوب وأكبرها وأفحشها فإنه غضب وظلم وعسف على الناس وإذاعة للمنكر وعمل به ودوام عليه وإقرار له وأعظمه تضمين الشرع والحكم للقضاء فإنا لله وإنا إليه راجعون، لم يبق من الإسلام إلا رسمه ولا من الدين إلا اسمه انتهى كلامه. وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم) الأموال والأعراض بالدماء في قوله في حجة الوداع: (ألا إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حراما) وما أكثر ما تساهل الناس في أخذ الأموال وفي الغيبة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم): (من قتل دون ماله فهو شهيد) والعجب إطباق من يتظاهر بالصلاح والدين والعلم على عدم إنكار هذه المكوس والضمانات وادعاء بعضهم أنه له تصرف في الوجود ودلال على الله تعالى بحيث إنه يدعو فيستجاب له فيما أراد ويضمن لمن كان من أصحابه وأتباعه الجنة وهو مع ذلك يتردد لأصحاب المكوس ويتذلل إليهم في نزع شيء حقير وأخذه من المكس الذي حصلوه وهذه وقاحة لا تصدر ممن شم رائحة الإيمان ولا تعلق بشيء من الإسلام، وقال بعض الشعراء:
* تساوى الكل منا في المساوي * فأفضلنا فتيلا ما يساوي * وعلى الأقوال السابقة يكون القعود بكل صراط حقيقة وحمل القعود والصراط الزمخشري على المجاز، فقال ولا تقتدوا بالشيطان في قوله * (لاقعدن لهم صراطك المستقيم) * فتقعدوا بكل صراط أي بكل منهاج من مناهج الدين والدليل على أن المراد بالصراط سبيل الحق قوله * (وتصدون عن سبيل الله) *، فإن قلت: صراط الحق واحد * (وأن هاذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله) * فكيف قيل بكل صراط، قلت: صراط الحق واحد ولكنه يتشعب إلى معارف وحدود وأحكام كثيرة مختلفة فكانوا إذا رأوا واحدا يشرع في شيء منه منعوه وصدوه انتهى. ولا تظهر الدلالة على أن المراد بالصراط سبيل الحق من قوله * (وتصدون عن سبيل الله) * كما ذكر بل الظاهر التغاير لعموم كل صراط وخصوص سبيل الله فيكون * (بكل صراط) * حقيقة في الطرق، و * (سبيل الله) * مجاز عن دين الله والباء في * (بكل صراط) * ظرفية نحو زيد بالبصرة أي في كل صراط وفي البصرة والجمل من قوله * (توعدون) * * (وتصدون) * * (وتبغونها) * أحوال أي موعدين وصادين وباغين والإيعاد ذكر إنزال المضار بالموعد ولم يذكر الموعد به لتذهب النفس فيه كل مذهب من الشر لأن أوعد لا يكون إلا في الشر وإذا ذكر تعدى الفعل إليه بالباء.
قال أبو منصور الجواليقي: إذا أرادوا أن يذكروا ما يهددوا به مع أوعدت جاؤوا بالباء فقالوا: أوعدته بالضرب ولا يقولون أعدته الضرب والصد يمكن أن يكون حقيقة في عدم التمكين من الذهاب إلى الرسول ليسمع كلامه ويمكن أن يكون مجازا عن الإيعاد من الصاد بوجه ما أو عن وعد المصدود بالمنافع على تركه و * (من ءامن) * مفعول بتصدون على إعمال الثاني ومفعول * (توعدون) * ضمير محذوف والضمير في * (به) * الظاهر أنه على * (سبيل الله) * وذكره لأن السبيل تذكر وتؤنث، وقيل عائد على الله، وقال الزمخشري: فإن قلت: إلام يرجع الضمير في آمن به، قلت: إلى كل صراط تقديره توعدون من آمن به وتصدون عنه فوضع الظاهر الذي هو سبيل الله موضع الضمير زيادة في تقبيح أمرهم دلالة على عظم ما يصدون عنه انتهى وهذا تعسف في الإعراب لا يليق بأن يحمل القرآن عليه لما فيه من التقديم والتأخير ووضع الظاهر موضع المضمر من غير حاجة إلى ذلك وعود الضمير على أبعد مذكور مع إمكان عوده على أقرب مذكور الإمكان السائغ الحسن الراجح وجعل * (من ءامن) * منصوبا بتوعدون فيصير من إعمال