تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٤٠
بلدهم أخذوا دراهمه الجياد وقالوا هي زيوف فقطعوها قطعا ثم أخذوها بنقصان ظاهر وأعطوه بدلها زيوفا وكانت هذه المعصية قد فشت فيهم في ذلك الزمان مع كفرهم الذي نالتهم الرجفة بسببه.
* (ولا تفسدوا فى الارض بعد إصلاحها) * تقدم تفسير هذه الجملة قريبا في هذه السورة.
* (ذالكم خير لكم إن كنتم مؤمنين) * الإشارة إلى إيفاء الكيل والميزان وترك البخس والإفساد وخير أفعل التفضيل أي من التطفيف والبخس والإفساد لأن خيرية هذه لكم عاجلة جدا منقضية عن قريب منكم إذ يقطع الناس معاملتكم ويحذرونكم فإذا أوفيتم وتركتم البخس والإفساد جملت سيرتكم وحسنت الأحدوثة عنكم وقصدكم الناس بالتجارات والمكاسب فيكون ذلك أخير مما كنتم تفعلون لديمومة التجارة والأرباح بالعدل في المعاملات والتحلي بالأمانات، وقيل: * (ذالكم) * إشارة إلى الإيمان الذي تضمنه قوله * (اعبدوا الله ما لكم من إلاه غيره) * وإلى ترك البخس في الكيل والميزان، وقيل: * (خير) * هنا ليست على بابها من التفضيل ولذلك فسره ابن عطية بقوله أي ذاك نافع عند الله مكسب فوزه ورضوانه وظاهر قوله * (إن كنتم مؤمنين) * أنهم كانوا كافرين وعلى ذلك يدل صدر الآية وآخر القصة فمعنى ذلك أنه لا يكون ذلك لكم خيرا ونافعا عند الله إلا بشرط الإيمان والتوحيد وإلا فلا ينفع عمل دون إيمان، وقال الزمخشري * (إن كنتم مؤمنين) * إن كنتم مصدقين لي في قولي * (ذالكم خير لكم) *.
2 (* (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من ءامن به وتبغونها عوجا واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين * وإن كان طآئفة منكم ءامنوا بالذي أرسلت به وطآئفة لم يؤمنوا فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين) *)) 2 * (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من ءامن به وتبغونها عوجا) * الظاهر النهي عن القعود بكل طريق لهم عن ما كانوا يفعلونه من إيعاد الناس وصدهم عن طريق الدين، قال ابن عباس وقتادة ومجاهد والسدي: كانوا يقعدون على الطرقات المفضية إلى شعيب فيتوعدون من أراد المجيء إليه ويصدونه ويقولون: إنه كذاب فلا تذهب إليه على نحو ما كانت تفعله قريش مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وقال السدي: هذا نهي العشارين والمتقبلين ونحوه من أخذ أموال الناس بالباطل، وقال أبو هيريرة: هو نهي عن ا لسلب وقطع الطريق وكان ذلك من فعلهم وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم) قال: رأيت ليلة أسري بي خشبة على الطريق لا يمر بها ثوب إلا شقته ولا شيء إلا خرقته فقلت ما هذا يا جبريل فقال هذا مثل لقوم من أمتك يقعدون على الطريق فيقطعونه ثم تلا * (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون) * وفي هذا القول والقول الذي قبله مناسبة لقوله * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) * لكن لا تظهر مناسبة لهما بقوله * (وتصدون عن سبيل الله من ءامن به) * بل ذلك يناسب القول الأول قال القرطبي: قال علماؤنا ومثلهم اليوم هؤلاء المكاسون الذين يأخذون من الناس ما لا يلزمهم شرعا من الوظائف
(٣٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 345 ... » »»