تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٣٧
لا يصح أن يقدر أسبقت زيدا الكرة أي جعلت زيدا يسبق الكرة إلا بمجاز متكلف وهو أن تجعل ضربك للكرة أول جعل ضربة قد سبقها أي تقدمها في الزمان فلم يجتمعا.
* (إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون) * هذا بيان لقوله * (أتأتون الفاحشة) * وأتى هنا من قوله أتى المرأة غشيها وهو استفهام على جهة التوبيخ والإنكار، وقرأ نافع وحفص * (إنكم) * على الخبر المستأنف و * (شهوة) * مصدر في موضع الحال قاله الحوفي وابن عطية، وجوزه الزمخشري وأبو البقاء أي مشتهين تابعين للشهوة غير ملتفتين لقبحها أو مفعول من أجله قاله الزمخشري، وبدأ به البقاء أي للاشتهاء لا حامل لكم على ذلك إلا مجرد الشهوة ولا ذم أعظم منه لأنه وصف لهم باليهيمة وأنهم لا داعي لهم من جهة العقل كطلب النسل ونحوه و * (من دون النساء) * في موضع الحال أي منفردين عن النساء، وقال الحوفي: * (من دون النساء) * متعلق بشهوة و * (بل) * هنا للخروج من قصة إلى قصة تنبىء بأنهم متجاوزو الحد في الاعتداء، وقيل إضراب عن تقريرهم وتوبيخهم والإنكار أو عن الإخبار عنهم بهذه المعصية الشنيعة إلى الحكم عليهم بالحال التي تنشأ عنها القبائح وتدعوا إلى اتباع الشهوات وهي الإسراف وهو الزيادة المفسدة لما كانت عادتهم الإسراف أسرفوا حتى في باب قضاء الشهوة وتجاوزوا المعتاد إلى غيره ونحوه * (بل أنتم قوم عادون) *، وقيل إضراب عن محذوف تقديره ما عدلتم بل أنتم، وقال الكرماني بل رد لجواب زعموا أن يكون لهم عذر أي لا عذر لكم ولا حجة * (بل أنتم) * وجاء هنا * (مسرفون) * باسم الفاعل ليدل على الثبوت ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأسماء وجاء في النمل * (تجهلون) * بالمضارع لتجدد الجهل فيهم ولموافقة ما سبق من رؤوس الآي في ختمها بالأفعال.
* (وما كان جواب قومه إلا أن قالوا أخرجوهم من قريتكم) * الضمير في * (أخرجوهم) * عائد على لوط ومن آمن به ولما تأخر نزول هذه السورة عن سورة النمل أضمر ما فسره الظاهر في النمل من قوله * (فما كان جواب قومه إلا) * وآل لوط ابنتاه وهما رغواء وريفاء ومن تبعه من المؤمنين، وقيل: لم يكن معه إلا ابنتاه كما قال تعالى: * (فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) * وقال ابن عطية: والضمير عائد على آل لوط وأهله وإن كان لم يجر لهم ذكر فإن المعنى يقتضيهم، وقرأ الحسن * (جواب) * بالرفع انتهى وهنا جاء العطف بالواو والمراد بها أحد محاملها الثلاث من التعقيب المعني في النمل في قوله * (تجهلون) * فما وفي العنكبوت * (وتأتون فى ناديكم المنكر) * فما وكان التعقيب مبالغة في الرد حيث لم يمهلوا في الجواب زمانا بل أعجلوه بالجواب سرعة وعدم البراءة بما يجاوبون به ولم يطابق الجواب قوله لأنه لما أنكر عليهم الفاحشة وعظم أمرها ونسبهم إلى الإسراف بادروا بشيء لا تعلق له بكلامه وهو الأمر بالإخراج ونظيره جواب قوم إبراهيم بأن قالوا * (حرقوه وانصروا ءالهتكم) * حتى قبح عليهم بقوله * (أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون) * فأتوا بجواب لا يطابق كلامه والقرية هي سدوم سميت باسم سدوم بن باقيم الذي يضرب المثل في الحكومات هاجر لوط مع عمه إبراهيم من أرض بابل فنزل إبراهيم أرض فلسطين وأنزل لوطا الأردن.
* (إنهم أناس يتطهرون) * قال ابن عباس ومجاهد يتقذرون عن إتيان أدبار الرجال والنساء، وقيل يأتون النساء في الأطهار، وقال ابن بحر: يرتقبون أطهار النساء فيجامعونهن فيها، وقيل: يتنزهون عن فعلتا وهو معنى قول ابن عباس ومجاهد، وقيل: يغتسلون من الجنابة ويتطهرون بالماء عيروهم بذلك ويسمى هذا النوع في
(٣٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 332 333 334 335 336 337 338 339 340 341 342 ... » »»