تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٣٢
عن نحرها وعقرها ومنعها عن الماء والكلأ أولى وأحرى والمس والأخذ هنا استعارة وهذا وعيد شديد لمن مسها بسوء والعذاب الأليم هو ما حل بهم إذ عقروها وما أعد لهم في الآخرة.
* (واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * ذكر صالح قومه بما ذكر به هود قومه فذكر أولا نعما خاصة وهي جعلهم خلفاء بعد الأمة التي سبقتهم وذكر هود لقومه ما اختصوا به من زيادة البسطة في الخلق وذكر صالح لقومه ما اختصوا به من اتخاذ القصور من السهول ونحت الجبال بيوتا ثم ذكرا نعما عامة بقولهما * (فاذكروا آلاء الله) * ومعنى * (وبوأكم في الأرض) * أنزلكم بها وأسكنكم إياها والمباءة المنزل في الأرض وهو من باء أي رجع وتقدم ذكره و * (الأرض) * فلا موضع ما بين الحجاز والشام و * (تتخذون) * حال أو تفسير لقوله * (وبوأكم في الأرض) * فلا موضع له من الإعراب والظاهر أن بعض السهول اتخذوه قصورا أي بنوا فيه قصورا وأنشؤوها فيه ولم يستوعبوا جميع سهولها بالقصور وقال الزمخشري: * (من سهولها قصورا) * أي يبنونها من سهولة الأرض بما يعملون منها الرهض واللبن والآجر يعني أن القصور التي بنوها أجزاؤها متخذة من لين الأرض كالجيار والآجر والجص كقوله * (واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا) * يعني أن الصورة كانت مادتها من الحلي كما أن القصور مادتها من سهول الأرض والأجزاء التي صنعت منها وظاهر الاتخاذ هنا العمل فيتعدى * (تتخذون) * إلى مفعول واحد، وقيل: يتعدى إلى اثنين والمجرور هو الثاني، وقرأ الحسن * (وتنحتون) * بفتح الحاء، وزاد الزمخشري: أنه قرأ وتنحاتون بإشباع الفتحة قال كقوله:
* ينباع من دفري أسيل حره انتهى. وقرأ ابن مصرف بالياء من أسفل وكسر الحاء وقرأ أبو مالك بالباء من أسفل وفتح الحاء ومن نقرأ بالياء فهو التفات وانتصب * (بيوتا) * على أنها حال مقدرة إذ لم تكن الجبال وقت النحت بيوتا كقولك إبر لي هذه اليراعة قلما وخط لي هذا قباء، وقيل: مفعول ثان على تضمين * (وتنحتون) * معنى و * (تتخذون) *، وقيل: مفعول بتنحتون و * (الجبال) * نصب على إسقاط من أي من الجبال، وقرأ الأعمش * (تعثوا) * بكسر التاء لقولهم أنت تعلم وهي لغة و * (مفسدين) * حال مؤكدة، قال ابن عباس: القصور لمصيفهم والبيوت في الجبال لمشتاهم، وقيل: نحتوا الجبال لطول أعمارهم كانت القصور تخرب قبل موتهم، قال وهب: كان الرجل يبني البنيان فتمر عليه مائة سنة فيخرب ثم يجدده فتمر عليه مائة سنة فيخرب ثم يجدده فتمر عليه مائة سنة فيخرب فأضجرهم ذلك فاتخذوا الجبال بيوتا.
* * (قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه) * قرأ ابن عامر * (وقال الملأ) * بواو عطف والجمهور قال بغير واو و * (الذين استكبروا) * وصف للملأ إما للتخصيص الأن من أشرافهم من آمن مثل جندع بن عمرو وإما للذم و * (استكبروا) * وطلبوا الهيبة لأنفسهم وهو من الكبر فيكون استفعل للطلب وهو بابها أو تكون استفعل بمعنى فعل أي كبروا لكثرة المال والجاه فيكون مثل عجب واستعجب والذين * (استضعفوا) * أي استضعفهم رؤساء الكفار واستذلوهم وهم العامة وهم أتباع الرسل و * (لمن) * بدل من الذين استضعفوا والضمير في * (منهم) * إن عاد على
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»