تعالى أنهم يؤمنون لأبقاهم وذلك أن المكذب بالآيات قد يؤمن بها بعد ذلك ويحسن حاله فأما من حتم الله عليه بالكفر فلا يؤمن أبدا وفي ذلك تعريض بمن آمن منهم كمرثد بن سعد ومن نجا مع هود عليه السلام كأنه قال * (وقطعنا دابر القوم الذين كذبوا) * منهم ولم يكونوا مثل من آمن منهم ليؤذن أن الهلاك خص المكذبين ونجى الله المؤمنين قاله الزمخشري: وذكر المفسرون هنا قصة هلاك عاد وذكروا فيها أشياء لا تعلق لها بلفظ القرآن ولا صحت عن الرسول فضربت عن ذكرها صفحا وأما ما له تعلق بلفظ القرآن فيأتي في مواضعه إن شاء الله تعالى.
* (وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) * ثمود اسم القبيلة سميت باسم أبيهم الأكبر وهو ثمود أخو جديس وهما ابنا جاثر بن إرم بن سام بن نوح عليه السلام وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام وإلى وادي القرى. وقيل سميت ثمود لقلة ما بها من الثمد وهو الماء القليل. قال الشاعر:
* أحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت * إلى حمام شراع وارد الثمد * وكانت ثمود عربا في سعة من العيش فخالفوا أمر الله وعبدوا غيره وأفسدوا فبعث الله لهم صالحا نبيا من أوسطهم نسبا وأفضلهم حسبا فدعاهم إلى الله حتى شمط ولا يتبعه منهم إلا القليل، قاله وهب: بعثه الله حين راهق الحلم فلما هلك قومه ارتحل بمن معه إلى مكة فأقاموا معه حتى ماتوا فقبورهم بين دار الندوة والحجر، وصالح هو صالح بن آسف بن كاشح بن أروم بن ثمود بن جاثر بن إرم بن سام بن نوح هكذا نسبه الشريف النسابة الجواني وهو المنتهى إليه في علم النسب. ووقع في بعض التفاسير بين صالح وآسف زيادة أب وهو عبيد فقالوا صالح بن عبيد بن آسف ونقص في الأجداد وتصحيف جاثر بقولهم عابر، قال الشريف الجواني في المقدمة الفاضلية والعقب من جاثر بن إرم بن سام بن نوح وجديس والعقب من ثمود بن جاثر فالخ وهيلع وتنوق وأروم من ولده صالح النبي صلى الله عليه وسلم بن آسف بن كاشح بن أروم بن ثمود.
وقرأ ابن وثاب والأعمش: * (وإلى ثمود) * بكسر الدال والتنوين مصروفا في جميع القرآن جعله اسم الحي والجمهور منعوه الصرف جعلوه اسم القبيلة والأخوة هنا في القرابة، لأن نسبه ونسبهم راجع إلى ثمود بن جاثر وكل واحد من هؤلاء الأنبياء نوح وهود وصالح تواردوا على الأمر بعبادة الله والتنبيه على أنه لا إله غيره إذ كان قومهم عابدي أصنام ومتخذي آلهة مع الله كما كانت قريش والعرب ففي هذه القصص توبيخهوم وتهديدهم أن يصيبهم مثل ما أصاب أولئك من الهلاك المستأصل من العذاب وكانت قصة نوح مشهورة طبقت الآفاق وقصة هود وصالح مشهورة عند العرب وغيرهم بحيث ذكرها قدماء الشعراء في الجاهلية وشبهوا مفسدي قومهم بمفسدي قوم هود وصالح قال بعض قدمائهم في الجاهلية:
* فينا معاشر لن يبغوا لقومهم * وإن بنى قومهم ما أفسدوا عادوا * * أضحوا كقيل بن عنز في عشيرته * إذا أهلكت بالذي سدى لها عاد * * أو بعده كقدار حين تابعه * على الغواية أقوام فقد بادوا * وقيل ابن عنز هو من قوم هود وسيأتي ذكر خبره عند ذكر إرسال الريح على قوم هود إن شاء الله وقدار