تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣١٩
عتا يعتو عتوا استكبر. الرجفة الطامة التي يرجف لها الإنسان أي يتزعزع ويضطرب ويرتعد ومنه ترجف بوادره وأصل الرجف الاضطراب، رجفت الأرض والبحر رجاف لاضطرابه، وأرجف الناس بالشر خاضوا فيه واضطربوا، ومنه الأراجيف ورجف بهم الجبل. قال الشاعر:
* ولما رأيت الحج قد حان وقته * وظلت جمال القوم بالحي ترجف * الجثوم اللصوق بالأرض على الصدر مع قبض الساقين كما يرقد الأرنب والطير. غبر بقي. قال أبو ذؤيب:
* فغبرت بعدهم بعيش ناضب * وإخال أني لاحق مستبقع * هذا المشهور في اللغة ومنه غبر الحيض. قال أبو بكر الهذلي:
* ومبرأ من كل غبر حيضة * وفساد مرضعة وداء معضل * وغبر اللبن في الضرع بقيته وحكى أهل اللغة غبر بمعنى مضى، قال الأعشى:
* غض بما ألقى المواسي له * من أمه في الزمن الغابر * وبمعنى غاب ومنه عبر عنا زمانا أي غاب قاله الزجاج، وقال أبو عبيدة غبر عمر دهرا طويلا حتى هرم، المطر معروف، وقال أبو عبيد يقال في الرحمة مطر وفي العذاب أمطر وهذا معارض بقوله * (هاذا عارض ممطرنا) * فإنهم لم يريدوا إلا الرحمة وكلاهما متعد يقال مطرتهم السماء وأمطرتهم، شعيب اسم نبي وسيأتي ذكر نسبه في التفسير إن شاء الله.
* (وهو الذى يرسل الرياح * بشرا بين * يدى رحمته) * لما ذكر تعالى الدلائل على كمال إلهيته وقدرته وعلمه من العالم العلوي أتبعهما بالدلائل من العالم السفلي وهي محصورة في آثار العالم العلوي ومنها الريح والسحاب والمطر وفي المعدن والنبات والحيوان ويترتب على نزول المطر أحوال النبات وذلك هو المذكور في الآية وانجر مع ذلك الدلالة على صحة الحشر والنشر البعث والقيامة وانتظمت هاتان الآيتان محصلتين المبدأ والمعاد وجعل الخبر موصولا في أن ربكم الله الذي وفى * (وهو الذى) * دلالة على كون ذلك معهودا عند السامع مفروغا من تحقق النسبة فيه والعلم به ولم يأت التركيب إن ربكم خلق ولا وهو يرسل الرياح، وقرأ الرياح نشرا جمعين وبضم الشين جمع ناشر على النسب أي ذات نشر من الطي كلابن وتامر وقالوا نازل ونزل وشارف وشرف وهو جمع نادر في فاعل أو نشور من الحياة أو جمع نشور كصبور وصبر وهو جمع مقيس لا جمع نشور بمعنى منشور خلافا لمن أجاز ذلك لأن فعولا كركوب بمعنى مركوب لا ينقاس ومع كونه لا ينقاس لا يجمع على فعل الحسن والسلمي وأبو رجاء واختلف عنهم
(٣١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 314 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 ... » »»