تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٢٤
نوح في هود * (إني لكم) * على إضمار القول أي فقال إني وفي ندائه قومه تنبيه لهم لما يلقيه إليهم واستعطاف وتذكير بأنهم قومه فالمناسب أن لا يخالفوه ومعمول القول جملة الأمر بعبادة الله وحده ورفض آلهتهم المسماة ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا وغيرها والجملة المنبهة على الوصف الداعي إلى عبادة الله وهو انفراده بالألوهية المرجو إحسانه المحذور انتقامه دون آلهتهم ولم تأت بحرف عطف لأنها بيان وتفسير لعلة اختصاصه تعالى بأن يعبد، وقرأ ابن وثاب الأعمش وأبو جعفر والكسائي غيره بالجر على لفظ * (إله) * بدلا أو نعتا، وقرأ باقي السبعة غيره بالرفع عطفا على موضع * (من إله) * لأن من زائدة بدلا أو نعتا، وقرأ عيسى بن عمر غيره بالنصب على الاستثناء والجر والرفع أفصح * (ومن * إله) * مبتدأ و * (لكم) * في موضع الخبر، وقيل: الخبر محذوف أي في الوجود و * (لكم) * تبيين وتخصيص، و * (أخاف) * قيل: بمعنى أتيقن وأجزم لأنه عالم أن العذاب بنزل بهم إن لم يؤمنوا، وقيل: الخوف على بابه بمعنى الحذر لأنه جوز أن يؤمنوا وأن يستمروا على كفرهم و * (يوم عظيم) * هو يوم القيامة أو يوم حلول العذاب بهم في الدنيا وهو الطوفان وفي هذه الجملة إظهار الشفقة والحنو عليهم.
* * (قال الملا من قومه إنا لنراك في ضلال مبين) * قال ابن عطية قرأ ابن عامر الملو بالواو وكذلك هي في مصاحف أهل الشام انتهى وليس مشهورا عن ابن عامر بل قراءته كقراءة باقي السبعة بهمزة ولم يجبه من قومه إلا أشرافهم وسادتهم وهم الذين يتعاصون على الرسل لانغمار عقولهم بالدنيا وطلب الرئاسة والعلو فيهما. ونراك الأظهر أنها من رؤية القلب، وقيل: من رؤية العين ومعنى * (فى ضلال مبين) * أي في ذهاب عن طريق الصواب وجهالة بما تسلك بينة واضحة وجاءت جملة الجواب مؤكدة بأن وباللام وفي للوعاء فكان الضلال جاء ظرفا له وهو فيه ولم يأت ضالا ولا ذا ضلال.
* (قال ياءادم * قوم * ليس بى ضلالة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون) * لم يرد النفي منه على لفظ ما قالوه فلم يأت التركيب لست في ضلال مبين بل جاء في غاية الحسن من نفي أن يلتبس به ويختلط ضلالة ما واحدة فأنى يكون في ضلال فهذا أبلغ من الانتفاء من الضلال إذ لم يعتلق به ولا ضلالة واحدة وفي ندائه لهم ثانيا والإعراض عن جفائهم ما يدل على سعة صدره والتلطف بهم.
ولما نفى عنهم التباس ضلالة ما به دل على أنه على الصراط المستقيم فصح أن يستدرك كما تقول ما زيد بضال ولكنه مهتد فلكن واقعة بين نقيضين لأن الإنسان لا يخلو من أحد الشيئين: الضلال والهدى ولا تجامع ضلالة الرسالة وفي قوله: * (من رب العالمين) * تنبيه على أنه ربهم لأنهم من جملة العالم أي من ربكم المالك لأموركم الناظر لكم بالمصلحة حيث وجه إليكم رسولا يدعوكم إلى إفراده بالعبادة و * (أبلغكم) * استئناف على سبيل البيان بكونه رسولا أو جملة في موضع الصفة لرسول ملحوظا فيه كونه خبرا لضمير متكلم كما تقول أنه رجل آمر معروف فتراعي لفظ أنا ويجوز يأمر بالمعروف فيراعى لفظ رجل والأكثر مراعاة ضمير المتكلم والمخاطب فيعود الضمير ضمير متكلم أو مخاطب قال تعالى: * (بل أنتم قوم تفتنون) * بالتاء ولو قرىء بالياء لكان عربيا مراعاة للفظ * (قوم) * لأنه غائب، وقرأ أبو عمرو * (أبلغكم) * هنا في الموضعين وفي الأحقاف بالتخفيف وباقي
(٣٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 ... » »»