تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٣٢١
التأنيث فيذكر كقوله * (والسحاب المسخر) * كقوله * (يزجى سحابا ثم يؤلف بينه) * ويؤنث ويوصف ويخبر عنه بالجمع كقوله * (وينشىء السحاب الثقال) * وكقوله * (والنخل باسقات) * وثقله بالماء الذي فيه ونسب السوق إليه تعالى بنون العظمة التفافا لما فيه من عظيم المنة وذكر الضمير في * (سقناه) * رعيا للفظ كما قلنا إنه يذكر. وقال السدي يرسل تعالى الرياح فتأتي السحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض حيث يلتقيان فيخرجه من ثم ثم ينتشر ويبسطه في السماء وتفتح أبواب السماء ويسيل الماء على السحاب ثم يمطر السحاب بعد ذلك قال وهذا التفصيل لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم) انتهى. ومذهب أهل الحق أن الله تعالى هو الذي يسخر الرياح ويصرفها حيث أراد بمشيئته وتقديره لا مشارك له في ذلك وللفلاسفة كيفية في حصول الرياح ذكرها أبو عبد الله الرازي وأبطلها من وجوه أربعة يوقف عليها في كلامه وللمنجمين أيضا كلام في ذلك أبطله، وقال في آخره فثبت بهذا البرهان أن محرك الرياح هو الله تعالى وثبت بالدليل العقلي صحة قوله * (وهو الذى يرسل الرياح) *.
وعن ابن عمران الرياح ثمان أربع منها عذاب هي: القاصف والعاصف والصرصر والعقيم وأربع منها رحمة: الناشرات والمبشرات والمرسلات والذاريات واللام في * (لبلد) * عندي لام التبليغ كقولك قلت لك، وقال الزمخشري: لأجل بلد فجعل اللام لام العلة ولا يظهر فرق بين قولك سقت لك مالا وسقت لأجلك مالا فإن الأول معناه أوصلته لك وأبلغتكه والثاني لا يلزم منه وصوله إليه بل قد يكون الذي وصل له الماء غير الذي علل به السوق ألا ترى إلى صحة قول القائل لأجل زيد سقت لك مالك. ووصف البلد بالموت استعارة حسنة لجدبه وعدم نباته كأنه من حيث عد الانتفاع به كالجسد الذي لا روح فيه ولما كان ذلك موضع قرب رحمة الله وإظهار إحسانه ذكر أخص الأرض وهو البلد حيث مجتمع الناس ومكان استقرارهم ولما كان في سورة يس المقصد إظهار الآيات العظيمة الدالة على البعث جاء التركيب باللفظ العام وهو قوله * (وءاية لهم الارض الميتة) * وبعده * (وءاية لهم اليل نسلخ منه النهار * وءاية لهم أنا حملنا ذريتهم) * وسكن باء الميت عاصم وأبو عمرو والأعمش.
* (فأنزلنا به الماء) * الظاهر أن الباء ظرفية والضمير عائد على بلد ميت أي فأنزلنا فيه الماء وهو أقرب مذكور ويحسن عوده إليه فلا يجعل لأبعد مذكور، وقيل الباء سببية والضمير عائد على السحاب. وقيل عائد على المصدر المفهوم من سقناه فالتقدير بالسحاب أو بالسوق والثالث ضعيف لأنه عائد على غير مذكور مع وجود المذكور وصلاحيته للعود عليه. وقيل: عائد على السحاب والباء بمعنى من أي فأنزلنا منه الماء كقوله * (يشرب بها عباد الله) * أي منها وهذا ليس بجيد لأنه تضمين من الحروف.
* (فأخرجنا به من كل الثمرات) * الخلاف في * (به) * كالخلاف السابق في به. وقيل: الأول عائد على السحاب والثاني على البلد عدل عن كناية إلى كناية من غير فاصل كقوله: * (الشيطان سول لهم وأملى لهم) * وفاعل أملى لهم الله تعالى.
* (كذالك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) * أي مثل هذا الإخراج * (نخرج الموتى) * من قبورهم أحياء إلى الحشر * (لعلكم تذكرون) * بإخراج الثمرات وإنشائها خروجكم للبعث إذ الإخراجات سواء فهذا الإخراج المشاهد نظير الإخراج الموعود به خرج البيهقي وغيره عن رزين العقيلي قال قلت: يا رسول الله كيف يعيد الله الخلق وما آية ذلك في خلقه؟ قال (أما مررت بوادي قومك جديا ثم مررت به خضرا قال: نعم قال: (فتلك آية الله في خلقه) انتهى، وهل التشبيه في مطلق الإخراج ودلالة إخراج الثمرات على القدرة في إخراج الأموات أم في كيفية الإخراج وأنه ينزل مطر عليهم فيحيون كما ينزل المطر على البلد الميت فيحيا نباته احتمالان، وقد روي عن أبي هريرة أنه يمطر عليهم من ماء تحت
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»