الآخر يقتضي أن يكون الخوف والرجاء متساويين ليكونا للإنسان كالجناحين للطائر يحملانه في طريق استقامة فإن انفرد أحدهما هلك الإنسان وقد قال كثير من العلماء: ينبغي أن يغلب الخوف الرجاء طول الحياة فإذا جاء الموت غلب الرجاء ورأى كثير من العلماء أن يكون الخوف أغلب ومنه تمنى الحسن البصري أن يكون الرجل الذي هو آخر من يدخل الجنة وتمنى سالم مولى أبي حذيفة أن يكون من أصحاب الأعراف لأن مذهبه أنهم مذنبون وسالم هذا من رتبة الدين والفضل بحيث قال عمر بن الخطاب كلاما معناه لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا لوليته الخلافة وأبعد من ذهب إلى أن المعنى خوفا من الرد وطمعا في الإجابة.
* (ولا تفسدوا فى الارض بعد إصلاحها) * قال الزمخشري: كقوله: * (وإنى لغفار لمن تاب وامن وعمل صالحا) *، انتهى. يعني أن الرحمة مختصة بالمحسن وهو من تاب وآمن وعمل صالحا وهذا كله حمل القرآن وإنما على مذهبه من الاعتزال والرحمة مؤنثة فقياسها أن يخبر عنها إخبار المؤنث فيقال قريبة، فقيل: ذكر على المعنى لأن الرحمة بمعنى الرحم والترحم، وقيل: ذكر لأن الرحمة بمعنى الغفران والعفو قاله النضر بن شميل واختاره الزجاج، وقيل بمعنى المطر قاله الأخفش أو الثواب قاله ابن جبير فالرحمة في هذه الأقوال بدل عن مذكر. وقيل: التذكير على طريق النسب أي ذات قرب، وقيل: قريب نعت لمذكر محذوف أي شيء قريب، وقيل: قريب مشبه بفعيل الذي هو بمعنى مفعول نحو خصيب وجريح كما شبه فعيل به فقيل شيئا من أحكامه فقيل في جمعه فعلاء كأسير وأسراء وقتيل وقتلاء كما قالوا: رحيم ورحماء وعليم وعلماء، وقيل: هو مصدر جاء على فعيل كالضغيث وهو صوت الأرنب والنقيق وإذا كان مصدر أصح أن يخبر به عن المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والمجموع بلفظ المصدر، وقيل لأن تأنيث الرحمة غير حقيقي قاله الجوهري، وهذا ليس بجيد إلا مع تقديم الفعل أما إذا تأخر فلا يجوز إلا التأنيث تقول الشمس طالعة ولا يجوز طالع إلا في ضرورة الشعر بخلاف التقديم فيجوز أطالعة الشمس وأطالع الشمس كما يجوز طلعت الشمس وطلع الشمس ولا يجوز طلع إلا في الشعر، وقيل: فعيل هنا بمعنى المفعول أي مقربة فيصير من باب كف خضيب وعين كحيل قاله الكرماني، وليس بجيد لأن ما ورد من ذلك إنما هو من الثلاثي غير المزيد وهذا بمعنى مقربة فهو من الثلاثي المزيد ومع ذلك فهو لا ينقاس، وقال الفراء إذا استعمل في النسب والقرابة فهو مع المؤنث بتاء ولا بد تقول هذه قريبة فلان وإن استعملت في قرب المسافة أو الزمن فقد تجيء مع المؤنث بتاء وقد تجيء بغير تاء تقول دارك مني قريب وفلانة منا قريب، ومنه هذا وقول الشاعر:
* عشية لا عفراء منك قريبة * فتدنو ولا عفراء منك بعيد * فجمع في هذا البيت بين الوجهين، قال ابن عطية: هذا قول الفراء في كتابه وقد مر في كتب بعض المفسرين مغيرا انتهى، ورد الزجاج وقال هذا على الفراء هذا خطأ لأن سبيل المذكر والمؤنث أن يجريا على أفعالهما وقال من احتج له هذا كلام العرب، قال تعالى: * (وما يدريك لعل الساعة تكون قريبا) *. وقال الشاعر:
* له الويل إن أمسى ولا أم هاشم * قريب ولا البسباسة ابنة يشكرا *