إلا كراهة أن تكونا ملكين ويقدره الكوفيون إلا أن تكونا وإضمار الاسم وهو كراهة أحسن من إضمار الحرف وهو لا، وقال الزمخشري: وفيه دليل على أن الملائكة بالمنظر الأعلى وأن البشرية تلمح مرتبتها انتهى. وقال ابن فورك: لا حجة في هذه الآية على أن الملائكة أفضل من البشر لأنه يحتمل أن يريد ملكين في أن لا يكون لهما شهوة في طعام انتهى، وقرأ ابن عباس والحسن بن علي والضحاك ويحيى بن كثير والزهري وابن حكيم عن ابن كثير ملكين بكسر اللام، ويدل لهذه القراءة * (هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) * ومن الخالدين من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين.
* (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) * لم يكتف إبليس بالوسوسة وهو الإلقاء في خفية سرا ولا بالقول حتى أقسم على أنه ناصح لهما والمقاسمة مفاعلة تقتضي المشاركة في الفعل فتقسم لصاحبك ويقسم لك تقول قاسمت فلانا خالفته وتقاسما تحالفا وأما هنا فمعنى وقاسمهما أقسم لهما لأن اليمين لم يشاركاه فيها. وهو كقول الشاعر:
* وقاسمهما بالله جهدا لأنتم * ألذ من السلوى إذا ما نشورها * وفاعل قد يأتي بمعنى أفعل نحو باعدت الشيء وأبعدته، وقال ابن عطية وقاسمهما أي حلف لهما وهي مفاعلة إذ قبول المحلوف له وإقباله على معنى اليمين كالقسم وتقريره وإن كان بادي الرأي يعني أنها من واحد، وقال الزمخشري: كأنه قال لهما أقسم لكما أني لمن الناصحين وقالا له أتقسم بالله إنك لمن الناصحين، فجعل ذلك مقاسمة بينهم أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها أو أخرج قسم إبليس على وزن المفاعلة لأنه اجتهد فيها اجتهاد المقاسم انتهى، وقرئ وقاسمهما بالله و * (لكما) * متعلق بمحذوف تقديره ناصح لكما أو أعني أو بالناصحين على أن أل موصولة وتسومح في الظرف والمجرور ما لا يتسامح في غيرهما أو على أن أل لتعريف الجنس لا موصولة أوجه مقولة. * (فدلاهما بغرور) * أي استنزلهما إلى الأكل من الشجرة بغروره أي بخداعه إياهما وإظهار النصح وإبطان الغش وإطماعهما أن يكونا ملكين أو خالدين وبإقسامه أنه ناصح لهما جعل من يغتر بالكلام حتى يصدق فيقع في مصيبة بالذي يدلي من علو إلى أسفل بحبل ضعيف فينقطع به فيهلك، وقال الأزهري: لهذه الكلمة أصلان أحدهما أن الرجل يدلي دلوه في البئر ليأخذ المائ فلا يجد فيها ماء، وضعت التدلية موضع الطمع فيما لا فائدة فيه فيقال: دلاه أي أطمعه الثاني جرأهما على أكل الشجرة والأصل فيه دللهما من الدال والدلالة وهما الجراءة انتهى، فأبدل من المضاعف الأخير حرف علة، كما قالوا: تظنيت وأصله تظننت ومن كلام بعض العلماء: خدع الشيطان آدم فانخدع ونحن من خدعنا بالله عز وجل انخدعنا له وروى نحوه عن قتادة وعن ابن عمر. * (فلما ذاقا الشجرة بدت لهما) * أي وجدا طعمها آكلين منها كما قال تعالى فأكلا منها وتطايرت عنهما ملابس الجنة فظهرت لهما عوراتهما وتقدم أنهما كانا قبل ذلك لا يريانها من أنفسهما ولا أحدهما من الآخر، وقال ابن عباس وقتادة وابن جبير: كان عليهما ظفر كأس فلما أكلا تبلس عنهما فبدت