تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٩١
أي إن الفريق الضال * (اتخذوا الشياطين أولياء) * أنصار وأعوانا يتولونهم وينتصرون بهم كقول بعضهم أعل هبل أعل هبل والظاهر أن المراد حقيقة الشياطين فهم يعينونهم على كفرهم والضالون يتولونهم بانقيادهم إلى وسوستهم، وقيل: الشياطين أحبارهم وكبراؤهم، قال الطبري: وهذه الآية دليل على خطأ قول من زعم أن الله تعالى لا يعذب أحدا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها على علم منه بموضع الصواب انتهى، ووجه الدلالة قوله * (ويحسبون) * والمحسبة الظن لا العلم، وقرأ العباس بن الفضل وسهل بن شعيب وعيسى بن عمر * (إنهم اتخذوا) * بفتح الهمزة وهو تعليل لحق الضلالة عليهم والعكس يحتمل التعليل من حيث المعنى، وقال الزمخشري: أي تولوهم بالطاعة فيما أمروهم به وهذا دليل على أن علم الله تعالى لا أثر له في ضلالهم وأنهم هم الضالون باختيارهم وتوليهم الشياطين دون الله تعالى انتهى، وهو على طريقة الاعتزال.
* (يابنىءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين قل) * كان أهل الجاهلية يطوفون بالبيت عراة وكانوا لا يأكلون في أيام حجهم دسما ولا ينالون من الطعام إلا قوتا تعظيما لحجهم فنزلت، وقيل: كان أحدهم يطوف عريانا ويدع ثيابه وراء المسجد وإن طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لأنهم قالوا لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها، وقيل: تفاؤلا ليتعروا من الذنوب كما تعروا من الثياب. والزينة فعلة من التزين وهو اسم ما يتجمل به من ثياب وغيرها كقوله وازينت أي بالنبات والزينة هنا المأمور بأخذها هو ما يستر العورة في الصلاة قاله مجاهد والسدي والزجاج، وقال طاووس الشملة من الزينة، وقال مجاهد: ما وارى عورتك ولو عباءة فهو زينة. وقيل ما يستر العورة في الطواف، وفي صحيح مسلم عن عروة أن العرب كانت تطوف عراة إلا الخمس وهم قريش إلا أن تعطيهم الخمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء وفي غير مسلم: من لم يكن له صديق بمكة يعيره ثوبا طاف عريانا أو في ثيابه وألقاها بعد فلا يمسها أحد ويسمى اللقاء. وقال بعضهم:
* كفى زحزنا كرى عليه كأنه * لقي بين أيدي الطائفين حريم * وكانت المرأة تنشد وهي تطوف عريانة:
* اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله * فلما بعث الله رسوله صلى الله عليه وسلم) وأنزل عليه * (يابنىءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا) * أذن مؤذن الرسول ألا لا يحج البيت بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان، وكان النداء بمكة سنة تسع، وقال عطاء وأبو روق: تسريح اللحى وتنويرها بالمشط والترجيل، وقيل: التزين بأجمل اللباس في الجمع والأعياد ذكره الماوردي، وقيل: رفع اليدين في تكبيرة الإحرام والركوع والرفع منه، وقيل إقامة الصلاة في الجماعة بالمساجد وكان ذلك
(٢٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 286 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 ... » »»