تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٧٥
بالطواعية وأجابه تعالى بأنه من المنظرين أي من المؤخرين ولم يأت هنا بغاية للانتظار وجاء مغيا في الحجر وفي ص بقوله * (إلى يوم الوقت المعلوم) * ويأتي تفسيره في الحجر إن شاء الله، ومعنى من المنظرين من الطائفة التي تأخرت أعمارها كثيرا حتى جاءت آجالها على اختلاف أوقاتها فقد شمل تلك الطائفة انظار وإن لم يكونوا أحياء مدة الدهر، وقيل من المنظرين جمع كثير مثل قوم يونس.
* (قال فبما أغويتنى لاقعدن لهم صراطك المستقيم) * الظاهر أن الباء للقسم وما مصدرية ولذلك تلقيت الالية بقوله: لأقعدن، قال الزمخشري وإنما أقسم بالإغواء لأنه كان تكليفا من أحسن أفعال الله لكونه تعريضا لسعادة الأبد، فكان جديرا أن يقسم به انتهى، وقيل: الباء للسبب أي بسبب إغوائك إياي وعبر ابن عطية عنها بأن يراد بها معنى المجازاة قال: كما تقول فبإكرامك لي يا زيد لأكرمنك قال وهذا أليق بالقصة، قال الزمخشري، (فإن قلت): بم تعلقت الباء فإن تعليقها بلأقعدن تصد عنه لام القسم لا تقول والله بزيد لأمرن (قلتلله تعلقت بفعل القسم المحذوف تقديره * (فبما أغويتنى) * أقسم بالله * (لاقعدن) * أي بسبب إغوائك أقسم انتهى، وما ذكره من أن اللام تصد عن تعلق الباء بلأقعدن ليس حكما مجمعا عليه بل في ذلك خلاف، وقيل: ما استفهامية كأنه استفهم عن السبب الذي أغواه وقال بأي شيء أغويتني ثم ابتدأه مقسما فقال: لأقعدن لهم وضعف بإثبات الألف في ما الاستفهامية، وذلك شاذ أو ضرورة نحو قولهم عما تسأل فهذا شاذ والضرورة كقوله:
على ما قام يشتني لئيم ومعنى * (أغويتنى) * أضللتني قاله ابن عباس والأكثرون أو لعنتني قاله الحسن أو أهلكتني قاله ابن الأنباري، أو خيبتني قاله بعضهم، وقيل: أليقيتني غاويا، وقيل: سميتني غاويا لتكبري عن السجود لمن أنا خير منه، وقيل: جعلتني في الغي وهو العذاب، وقيل: قضيت على من الأفعال الذميمة، وقيل: أدخلت على داء الكبر، وقال الزمخشري: فبسبب إغوائك إياي لأقعدن لهم وهو تكليفه إياه ما وقع به في الغي كما ثبتت الملائكة مع كونهم أفضل منه ومن آدم نفسا ومناصب وعن الأصم أمرتني بالسجود فحملني الأنف على معصيتك والمعنى فبسبب وقوعي في الغي لأجتهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسببهم انتهى، وهو والأصم فسرا على مذهب الاعتزال في نفي نسبة الإغواء حقيقة وهو الإضلال إلى الله وكذلك من فسر * (أغويتنى) * معنى ألفيتني غاويا وهو فرار من ذلك وقوله في الملائكة إنهم أفضل من آدم نفسا ومناصب هو مذهب المعتزلة، وقال
(٢٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 ... » »»