تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٨١
سوءاتهما وبقي منه على الأصابع قدر ما يتذكران به المخالفة فيجددان الندم، وقال وهب بن منبه: كان عليهما نور يسترة عورة كل واحد منهما فانقشع بالأكل ذلك النور وقيل كان عليهما نور فنقص وتجسد منه شيء في أظفار اليدين والرجلين تذكرة لهما ليستغفروا في كل وقت وأبناؤهما بعدهما كما جرى لأويس القرني حين أذهب الله عنه البرص إلا لمعة أبقاها ليتذكر نعمه فيشكر. وقال قوم: لم يقصد بالسوأة العورة والمعنى انكشف لهما معايشهما وما يسؤهما وهذا القول ينبو عنه دلالة اللفظ ويخالف قول الجمهور، وقيل: أكلت حواء أول فلم يصبها شيء ثم آدم فكان البدو.
* (سوءتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة) * أي جعلا يلصقان ورقة على ورقة ويلصقانهما بعدما كانت كساهما حلل الجنة ظلا يستتران بالورق كما قيل:
* لله درهم من فتية بكروا * مثل الملوك وراحوا كالمساكين * والأولى أن يعود الضمير في * (عليهما) * على عورتيهما كأنه قيل * (يخصفان) * على سوآتهما من ورق الجنة، وعاد بضمير الاثنين لأن الجمع يراد به اثنان ولا يجوز أن يعود الضمير على آدم وحواء لأنه تقرر في علم العربية أنه لا يتعدى فعل الظاهر والمضمر المتصل إلى المضمر المتصل المنصوب لفظا أو محلا في غير باب ظن وفقد وعلم ووجد لا يجوز زيد ضربه ولا ضربه زيد ولا زيد مر به زيد فلو جعلنا الضمير في * (عليهما) * عائدا على آدم وحواء للزم من ذلك تعدى يخصف إلى الضمير المنصوب محلا وقد رفع الضمير المتصل وهو الألف في يخصفان فإن أخذ ذلك على حذف مضاف مراد جاز ذلك وتقديره يخصفان على بدنيهما، قال ابن عباس: الورق الذي خصفا منه ورق الزيتون، وقيل: ورق شجر التين، وقيل: ورق الموز ولم يثبت تعيينها لا في القرآن ولا في حديث صحيح، وقرأ أبو السمال * (وطفقا) * بفتح الفاء، وقرأ الزهري * (يخصفان) * من أخصف فيحتمل أن يكون أفعل بمعنى فعل ويحتمل أن تكون الهمزة للتعدية من خصف أي يخصفان أنفسهما، وقرأ الحسن والأعرج ومجاهد وابن وثاب * (يخصفان) * بفتح الياء وكسر الخاء والصاد وشدها، وقرأ الحسن فيما روى عنه محبوب كذلك إلا أنه فتح الخاء، ورويت عن ابن بريدة وعن يعقوب، وقرئ * (يخصفان) * بالتشديد من خصف على وزن فعل، وقرأ عبد الله بن يزيد يخصفان بضم الياء والخاء وتشديد الصاد وكسرها وتقرير هذه القراءات في علم العربية.
* (وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) * لما كان وقت النداء شرف بالتصريح باسمه في النداء فقيل ويا آدم اسكن وحين كان وقت العتاب أخبر أنه ناداه ولم يصرح باسمه والظاهر أنه تعالى كلمهما بلا واسطة ويدل على أن الله كلم آدم ما في تاريخ ابن أبي خيثمة أنه عليه السلام سئل عن آدم فقال: نبي مكلم، وقال الجمهور: إن النداء كان بواسطة الوحي ويؤيده أن موسى عليه السلام هو الذي خص من بين العالم بالكلام وفي حديث الشفاعة أنهم يقولون له أنت الذي خصك الله بكلامه وقد يقال: إنه خصه بكلامه وهو في الأرض وأما آدم فكان ذلك له في الجنة وقد تقدم لنا في قوله منهم من كلم الله إن منهم محمدا كلمه الله ليلة الإسراء ولم يكلمه في الأرض فيكون موسى مختصا بكلامه في الأرض، وقيل: النداء لآدم على الحقيقة ولم يرو قط أن الله كلم حواء والنداء هو دعاء الشخص باسمه العلم أو بنوعه أو بوصفه ولم يصرح هنا بشيء من ذلك والجملة معمولة لقول محذوف أي قائلا: ألم أنهكما وهو استفهام معناه العتاب على ما صدر منهما والتنبيه على موضع الغفلة في قوله * (تلكما الشجرة * ولا تقربا هاذه الشجرة) * إشارة لطيفة حيث كان مباحا له الأكل قارا ساكنا أشير
(٢٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 ... » »»