الشريعة ولا يستنكر وجود أجسام لطيفة جدا لا نراها نحن ألا ترى أن الهواء جسم لطيف لا ندركه نحن وقد قام البرهان العقلي القاطع على وجوده وقد صح تصورهم في الأجسام الكثيفة ورؤية بني آدم لهم في تلك الأجسام كالشيطان الذي رآه أبو هريرة حين جعل يحفظ تمر الصدقة والعفريت الذي رآه الرسول وقال فيه: (لولا دعوة أخي سليمان لربطته إلى سارية من سواري المسجد)، وكحديث خالد بن الوليد حين سير لكسر ذي الخلصة، وكحديث سواد بن قارب مع رئية من الجن إلا أن رؤيتهم في الصور نادرة كما أن الملائكة تبدو في صور كحديث جبريل وحديث الملك الذي أتى الأعمى والأقرع والأبرص وهذا أمر قد استفاض في الشريعة فلا يمكن رده أعني تصورهم في بعض الأحيان في الصور الكثيفة، وقال الزمخشري: وفيه دليل بين على أن الجن لا يرون ولا يظهرون للإنس وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم وأن زعم من يدعي رؤيتهم زور ومخرفة انتهى، ولا دليل في الآية على ما ذكر لأنه تعالى أثبت أنهم يروننا من جهة لا نراهم نحن فيها وهي الجهة التي يكونون فيها على أصل خلقتهم من الأجسام اللطيفة ولو أراد نفي رؤيتنا على العموم لم يتقيد بهذه الحيثية وكان يكون التركيب أنه يراكم هو وقبيله وأنتم لا ترونهم وأيضا فلو فرضنا أن في الآية دلالة لكان من العام المخصوص بالحديث النبوي المستفيض فيكونون مرئيين في بعض الصور لبعض الناس في بعض الأحيان وفي كتب التحرير أنكر جماعة من الحكماء تكرر الجن والشياطين وتصورهم على أي جهة شاؤوا وقوله * (إنه يراكم) * تعليل للنهي وتحذير من فتنته فإنه بمنزلة العدو المداجي يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون وفي الحديث أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم إشارة إلى أنه لا يفارقه وأنه يرصد غفلاته فيتسلط عليه والظاهر أن الضمير في * (أنه) * عائد على الشيطان، وقال الزمخشري: والضمير في * (أنه) * ضمير الشأن والحديث انتهى، ولا ضرورة تدعو إلى هذا * (وقبيله) * معطوف على الضمير المستكن في * (يراكم) * ويجوز أن يكون مبتدأ محذوف الخبر أو معطوفا على موضع اسم إن على مذهب من يجيز ذلك، وقرأ اليزيدي * (وقبيله) * بنصب اللام عطفا على اسم إن إن كان الضمير يعود على الشيطان * (وقبيله) * مفعول معه أي مع قبيله، وقرئ شاذا من حيث لا ترونه بإفراد الضمير فيحتمل أن يكون عائدا على الشيطان * (وقبيله) * إجراء له مجرى اسم الإشارة فيكون كقوله:
* فيها خطوط من سواد وبلق * كأنه في الجلد توليع البهق * أي كان ذلك ويحتمل أن يكون عاد الضمير على الشيطان وحده لكونه رأسهم وكبيرهم وهم له تبع وهو المفرد بالنهي أولا.
* (إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) * أي صيرنا الشياطين ناصريهم وعاضديهم في الباطل، وقال الزجاج: سلطناهم عليهم يزيدن في غيهم فيتابعونهم على ذلك فصاروا أولياءهم، وقيل: جعلناهم قرناء لهم، وحكى الزهراوي أن جعل هنا بمعنى وصف وهي نزغة اعتزالية، وقال الزمخشري: