تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٥١
* يقولون لا تهلك أسى وتجمل وهذا لا نعلم فيه خلافا بخلاف الجمل المتباينة بالخبر والاستفهام والإنشاء فإن في جواز العطف فيها خلافا وقد جوزوا في أن * (ءان) * تكون مصدرية لا تفسيرية في موضع رفع وفي موضع نصب. فأما الرفع فعلى إضمار مبتدأ دل عليه المعنى أو التقدير المتلو * (أن لا * تشركوا) *. وأما النصب فمن وجوه. أحدها: أن يكون منصوبا بقوله: * (عليكم) * ويكون من باب الإغراء وتم الكلام عند قوله: * (أتل ما حرم ربكم) * أي التزموا انتفاء الإشراك وهذا بعيد لتفكيك الكلام عن ظاهره. الثاني: أم يكون مفعولا من أجله أي * (أتل ما حرم ربكم عليكم) * * (أن لا * تشركوا) * وهذا بعيد لأن ما جاء بعده أمر معطوف بالواو ومناه هي معطوفة بالواو فلا يناسب أن يكون تبيينا لما حرم، أما الأوامر فمن حيث المعنى وأما المناهي فمن حيث العطف. الثالث: أن يكون مفعولا بفعل محذوف تقديره أوصيكم أن لا تشركوا لأن قوله: * (وبالوالدين إحسانا) * محمول على أوصيكم * (وبالوالدين إحسانا) * وهذا بعيد لأن الإضمار على خلاف الأصل: وهذه الأوجه الثلاثة لا فيها باقية على أصل وضعها من النفي وهو مراد. الرابع: أن يكون في موضع نصب على البدل من * (ما حرم) * أو من الضمير المحذوف من * (ما حرم) * إذ تقديره ما حرمه وهذان الوجهان لا فيهما زائدة كهي في قوله: * (ما منعك أن تسجد * إذ أمرتك) * وهذا ضعيف لانحصار عموم المحرم في الإشراك إذ ما بعده من الأمر ليس داخلا من المحرم ولا بعد الأمر مما فيه لا يمكن ادعاء زيادة لا فيه لظهور أن لا فيها للنهي.
* وقال الزمخشري: فإن قلت هلا قلت هي التي تنصب الفعل وجعلت * (أن لا * تشركوا) * بدلا من * (ما حرم) * قلت: وجب أن يكون لا تشركوا ولا تقربوا ولا تقتلوا ولا تتبعوا السبل نواهي لانعطاف الأوامر عليها وهي قوله: * (وبالوالدين إحسانا) * لأن التقدير وأحسنوا * (وبالوالدين إحسانا) * وأوفوا وإذا قلتم فاعدلوا وبعهد الله أوفوا؛ انتهى. ولا يتعين أن تكون جميع الأوامر معطوفة على جميع ما دخل عليه لا لأنا بينا جواز عطف * (وبالوالدين إحسانا) * على * (تعالوا) * وما بعده معطوف عليه، ولا يكون قوله: * (وبالوالدين إحسانا) * معطوفا على * (ءان) * و * (أن لا * تشركوا) * شامل لمن أشرك بالله الأصنام كقوم إبراهيم ومن أشرك بالله الجن ومن أشرك بنين وبنات. وقال ابن الجوزي: قيل ادعاء شريك لله. وقيل: طاعة غير الله في معصية الله وتقدم تفسير * (وبالوالدين إحسانا) * في سورة البقرة.
* (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم) * * (من) * هنا سببية أي من فقر لقوله * (خشية إملاق) * وقتل الولد حرام إلا بحقه وإنما ذكر هذا السبب لأنه كان العلة في قتل الولد عندهم، وبين تعالى أنه هو الرازق لهم ولأولادهم وإذا كان هو الرازق فكما لا تقتل نفسك كذلك لا تقتل ولدك. ولما أمر تعالى بالإحسان إلى الوالدين نهى عن الإساءة إلى الأولاد ونبه على أعظم الإساءة للأولاد هو إعدام حياتهم بالقتل خوف الفقر كما قال في الحديث وقد سئل عن أكبر الكبائر فذكر الشرك بالله وهو قوله: (أن تجعل لله ندا وهو خلقك) ثم قال: (وأن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك) وقال: (وأن تزاني حليلة جارك) وجاء هذا الحديث منتزعا من هذه الآية وجاء التركيب هنا * (نحن نرزقكم وإياهم) *، وفي الإسراء * (نحن نرزقهم وإياكم) * فيمكن أن يكون ذلك من التفنن في الكلام ويمكن أن يقال في هذه الآية جاء * (من إملاق) * فظاهره حصول الإملاق للوالد لا توقعه، وخشيتة وإن كان واجدا للمال فبدأ أولا بقوله: * (نحن نرزقكم) * خطابا للآباء وتبشيرا لهم بزوال الإملاق وإحالة الرزق على الخلاق الرزاق، ثم عطف عليهم الأولاد. وأما في الإسراء فظاهر التركيب أنهم موسرون وإن قتلهم إياهم إنما هو لتوقع حصول الإملاق والخشية منه فبدىء فيه بقوله: * (نحن نرزقهم) *
(٢٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 246 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 ... » »»