تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٤٦
وقد ركدت وسط السماء نجومها فقدم الظرف وجوبا لعود الضمير الذي اتصل بالفاعل على المجرور بالظرف واختلف في تحريم ذلك على المسلمين من ذبائح اليهود، فعن مالك منع أكل الشحم من ذبائحهم وروي عنه الكراهة، وأباح ذلك بعض الناس من ذبائحهم ومن ذبحهم ما هو عليهم حرام إذا أمرهم بذلك مسلم. وقال ابن حبيب: ما كان معلوما تحريمه عليهم من كتابنا فلا يحل لنا من ذبائحهم، وما لم نعلمه إلا من أقوالهم فهو غير محرم علينا من ذبائحهم؛ انتهى. فظاهر قوله: * (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم) * إن الشحم الذي هو من ذبائحهم لا يحل لنا أنه ليس من طعامهم فلا يدخل تحت عموم * (وطعام الذين) * وحمل قوله: * (وطعام الذين) * على الذبائح فيه بعد وهو خلاف الظاهر.
* (إلا ما حملت ظهورهما) * أي إلا الشحم الذي حملته ظهورهما البقر والغنم. قال ابن عباس: هو مما علق بالظهر من الشحم وبالجنب من داخل بطونهما. وقيل: سمين الظهر وهي الشرائح التي على الظهر من الشحم فإن ذلك لم يحرم عليهم. وقال السدي وأبو صالح: الاليات مما حملت ظهورهما.
* (أو الحوايا) * هو معطوف على * (ظهورهما) * قاله الكسائي، وهو الظاهر أي والشحم الذي حملته * (الحوايا) *. قال ابن عباس وابن جبير والحسن وقتادة ومجاهد والسدي وابن زيد: هي المباعر. وقال علي بن عيسى: هو كل ما تحويه البطن فاجتمع واستدار. وقال ابن زيد أيضا: هي بنات اللبن. وقيل: الأمعاء والمصارين التي عليها الشحم.
* (أو ما اختلط بعظم) * هو معطوف على * (ما حملت ظهورهما) * بعظم هو شحم الإلية لأنه على العصعص قاله السدي وابن جريج، أو شحم الجنب أو كل شحم في القوائم والجنب والرأس والعينين والأذنين قاله ابن جريج أيضا، أو مخ العظم والظاهر أن هذه الثلاثة مستثناة من الشحم فهي حلال لهم. قيل: بالمحرم أذب شحم الثرب والكلى. وقيل: أو الحوايا أو ما اختلط بعظم معطوف على قوله * (شحومهما) * فتكون داخلة في المحرم أي حرمنا عليهم شحومهما * (أو الحوايا) * أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما وتكون أو كهي في قوله * (ولا تطع منهم ءاثما أو كفورا) * يراد بها نفي ما يدخل عليه بطريق الانفراد، كما تقول: هؤلاء أهل أن يعصوا فاعص هذا أو هذا فالمعنى حرم عليهم هذا وهذا. قال الزمخشري: وأو بمنزلتها في قولهم: جالس الحسن أو ابن سيرين؛ انتهى. وقال النحويون: أو في هذا المثال للإباحة فيجوز له أن يجالسهما معا وأن يجالس أحدهما، والأحسن في الآية إذا قلنا إن ذلك معطوف على شحومهما أن تكون أوفية للتفصيل فصل بها ما حرم عليهم من البقر والغنم. وقال ابن عطية: وقال بعض الناس * (أو الحوايا) * معطوف على الشحوم. قال: وعلى هذا يدخل الحويا في التحريم وهذا قول لا يعضده اللفظ ولا المعنى بل يدفعانه؛ انتهى. ولم يبين دفع اللفظ والمعنى لهذا القول.
* (ذالك جزيناهم ببغيهم) * قال ابن عطية: * (ذالك) * في موضع رفع وقال الحوفي: * (ذالك) * في موضع رفع على إضمار مبتدإ تقديره الأمر ذلك، ويجوز أن يكون نصب ب * (جزيناهم) * لأنه يتعدى إلى مفعولين والتقدير جزيناهم ذلك. وقال أبو البقاء: * (ذالك) * في موضع نصب ب * (جزيناهم) * لأنه يتعدى إلى مفعولين والتقدير جزيناهم ذلك. وقال أبو البقاء: * (ذالك) * في موضع نصب ب * (جزيناهم) * ولم يبين على أي شيء انتصب هل على المصدر أو على المفعول بإذ؟ وقيل: مبتدأ والتقدير جزيناهموه؛ انتهى، وهذا ضعيف لضعف
(٢٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 241 242 243 244 245 246 247 248 249 250 251 ... » »»